السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طالبة علم، وهبني الله سرعة في الحفظ وفهما ذكيا، لكني للأسف مماطلة جدا؛ لدرجة أنني في الأعوام السابقة كنت لا أفتح الكتب أبدا إلا قبل الامتحان بساعة أو اثنتين وكنت أنهيه، وأجيب فعلا على الأسئلة، وأحصل على المركز الأول وكأني ذاكرت طوال العام، لكني نادمة جدا على ما أفعل، وكل يوم أقول سأنجز كذا اليوم، وما إن أفتح الكتاب حتى أمل منه فأحاول فتح آخر فيتسرب إلى الملل أيضا.
حاولت كثيرا بلا جدوى، أجدني مستعدة لقراءة كتاب يحتوي على آلاف الصفحات لأيام وليال متواصلة ولا أستطيع قراءة كتاب في المنهج، وأنا أعلم أن ساعة تكفي لإنهائه، تعبت كثيرا، فقرأت عن تضييع الوقت وكيف أنه منهي عنه، وسمعت محاضرات وملأتني بالدوافع والحماس، ولكني لم أفلح في المذاكرة فماذا أفعل؟ وما حكمي في هذه الحالة، فأنا حائرة أمام نفسي؟ وما نصيحتكم؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ ذات الرداء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلن تزول قدما عبد أو أمة يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه.
وأرجو أن تلاحظي أن نصف الأسئلة عن العمر إجمالا، ثم عن أهم فترات عمر الإنسان وهى المرحلة التي أنت فيها مرحلة الفتوة والنشاط والشباب التي قالت عنها حفصة بنت سيرين رحمة الله عليها "يا معشر الشباب عليكم بالعمل فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب، فكبير السن يحاول أن يقرأ فلا تساعده العين، ويحاول أن يركع فلا يساعده الظهر، وهكذا ولكن الذي يستطيع أن يفعل ما يريد بحول وقوة ربنا المجيد هو أنتم يا معشر الشباب".
والشباب والصحة والنجاح كلها نعم من ربنا الفتاح، ومن شكر النعم استخدامها في طاعة المنعم وفيما يعود بالفائدة على النفس وعلى الناس، وأنت -ولله الحمد- سمعت وقرأت وعرفت فضل الأوقات وخطورة تضييعها، والوقت هو الحياة، وقد قال ابن القيم "إذا وجدت المرء يضيع من أوقاته فاعلم أنه يعجل بوفاته"، بل قال "تضييع الوقت أشد من الموت".
ولا يخفى على أمثالك أن المطلوب ليس مجرد النجاح بل لا بد من التفوق والتميز، وتحويل العلم إلى عمل نافع للنفس وللمجتمع، وإذا كنت ممن وهبهن الله هذه الملكة والقدرة العالية على الفهم فاجتهدي في حفظ القرآن وتعلم العلم الشرعي النافع، بالإضافة إلى دراستك العلمية.
ومما يعينك على فعل كل ذلك ما يلي:
1- اللجوء إلى الموفق سبحانه، وتوجهي بدعاء المضطر، فإنه سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه.
2- لا تتحدثي أمام الناس بما وهبك رب الناس، وذلك من باب لا تدخلوا من باب واحد إلى أن قال وما أغني عنكم من الله شيئا، فالعين حق، وقليل في الناس من يذكر الله إذا أعجب بشيء أو تعجب.
3- نظمي جدولا للمذاكرة واجعلي فيه مكانا للعبادة والتلاوة، ومساحة لإعطاء النفس حقها من الراحة وحظها من الطعام.
4- ذكري نفسك دائما بأهمية الوقت وبأن ما مضى منه لن يعود، ونعوذ بالله من ندامة المفرطين القائلين ربنا أخرنا، ربنا أرجعنا نعمل عملا صالحا غير الذي كنا نعمل.
5- اجعلي أهدافك في الحياة كبيرة، وصدق من قال على قدر أهل العزم تأتي العزائم.
6- نوعي في المواد التي تقومي بدراستها والأوضاع والأماكن التي تدرسي فيها؛ ففي ذلك طرد للملل.
7- ابتعدي عن المعاصي؛ فإنها سبب للخذلان، وللمعاصي شؤمها.
8 - احرصي على بر والديك وصلة رحمك فإن ذلك من أبواب التوفيق والنجاح.
9- حافظي على الأذكار، وعلى وردك من القرآن، وأكثري من قول لاحول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز وذكر واستعانة، وواظبي على الاستغفار وعلى الصلاة والسلام على رسولنا المختار فإن في ذلك ذهاب الهموم ومغفرة الذنوب.
وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، وقد أسعدنا تواصلك، ونؤكد لك أن الشعور بالتقصير والخلل هو البداية الصحيحة التي تدفع لليقظة والبصيرة والمحاسبة للنفس، ثم التوبة والتدارك لما فات.
نسأل الله أن يستخدمنا جميعا في رضاه، وأن يلهمنا السداد والرشاد.