السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله جهودكم ونفع بكم.
لا أعلم إن كان سؤالي يندرج تحت شكوى أو فتوى، لكني بحثت عن إجابة له ولم أجد، وأسأل الله أن أجد ضالتي هنا.
مؤخرا منذ عدة أيام جاءني فجأة إحساس بالتفكير بما قبل الدنيا وما قبل خلق كل شيء، وأفكر ما كنا لنكون لو لم نخلق، وأمور أتعبت عقلي حقا رغم أني لا أريد التفكير بها، لكنها فعلا أتعبتني، وأحسست أن الموت أهون لي من التفكير فيها، أو أني سأموت حقا.
وأيضا لا أرتاح في يومي إلا عندما أنام، وأصبحت أنام كثيرا هربا من هذه الأفكار التي أثرت على حياتي الدينية والدنيوية.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلا شك أن عقل الإنسان محدود، ورغم التوسع في العلوم بأنواعها، إلا أن ربنا وخالقنا يقول: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، وقد قال العبد الصالح للكليم موسى -عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه-: "ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من البحر".
ومن لطف الله بنا أنه لم يكلفنا بتعلم ما لا طاقة لنا به، ولما سئل النبي صلى الله عله وسلم عن حقيقة الروح، جاءت الإجابة من خالقنا: (قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).
أما بالنسبة لسؤالك: فقد كان الله وليس معه شيء، وهو سبحانه الأول والظاهر والباطن، ثم خلق الخلق كلهم لحكمة عظيمة، وخلق الإنسان لعبادته، وجعل الأكوان مسخرة لخدمته، وجعل الفلاح في أداء المهمة في قوله سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
ونحن ننصحك بعدم التمادي مع الوساوس، وقد وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم بقطع تسلسلها بقول: آمنت بالله، ثم بالتعوذ بالله من الشيطان، قال: ثم لينته، بمعنى أن يقطع تواتر الأفكار ويتشاغل عنها بغيرها.
وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يجد أحدنا الأمر في نفسه، لزوال السموات أحب من أن يتفوه به، فقال النبي: أو قد وجدتموه؟ ذاك صريح الإيمان، ثم قال: "الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة".
وفي الحديث بشارة لك لكرهك لما تجد في نفسك، والاجتهاد في مدافعته ولو بالنوم، وقد جاء في رواية أخرى: أن الشيطان يستدرج الإنسان حتى يقول له: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ ثم قال فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل آمنت بالله.
وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسعد بالاستمرار في التواصل مع موقعك، والتعوذ بالله من شيطان همه أن يحزن أهل الإيمان، ولكن بفضل الله ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.
نسأل الله أن يثبتنا وإياك بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يلهمك السداد والرشاد.
___________________________________________
انتهت إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
______________________________
بالفعل الذي تعاني منه وسواس قهري، والوساوس الفكرية من هذا النوع مؤلمة للنفوس، خاصة النفوس الطيبة المؤمنة، والوسواس الفكري معظم مكوناته دينية، وأفادك الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي بإجابة بليغة وعظيمة، فأرجو أن تأخذ بما نصحك به، أن تغلق الباب أمام هذا الوسواس من خلال صرف الانتباه عنه، وأن تحقره، وألا تدخل في نقاشه أبدا، لأن الدخول في نقاشه أو وجود إجابة للأسئلة المحيرة التي يطرحها الوسواس هذا يزيد منه، أما التجاهل والانتباه لأشياء أخرى هذا يعالج الوسواس.
وبشارة كبيرة جدا أود أن أنقلها لك، وهي: أنه توجد أدوية نفسية ممتازة وسليمة وغير إدمانية تساعد كثيرا في تفكيك هذه الأفكار وإزالتها، والأسس التي يفيد من خلالها الدواء قائمة على أن التغيرات الكيميائية التي تحدث في الدماغ لبعض المواد العصبية تسمى بالمرسلات العصبية هي التي تؤدي إلى هذه الوسوسة، أو هي التي تساعد في استمرارها، حتى وإن كان التدخل أصلا من الشيطان إلا أن التغيرات الكيميائية تحدث، وعليه لا بد أن نعالجها دوائيا.
أنا أفضل أن تذهب إلى طبيب نفسي، هذا سوف يسهل عليك الأمر كثيرا. الطبيب سوف يقدم لك المزيد من التوجيهات ويعطيك العلاج اللازم. وإذا لم يكن بالإمكان أن تذهب إلى الطبيب وكان عمرك أكثر من عشرين عاما فيمكن أن تذهب إلى الصيدلي وتطلب الدواء الذي يسمى تجاريا (بروزاك) ويسمى علميا (فلوكستين)، تتناوله بجرعة واحدة كبسولة يوميا – قوة الكبسولة عشرين مليجراما – تناولها بعد الأكل، استمر عليها لمدة شهر، ثم اجعلها كبسولتين في اليوم، وهذه هي الجرعة العلاجية التي يجب أن تستمر عليها ثلاثة أشهر على الأقل، بعد ذلك اجعل الجرعة كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر أخرى كجرعة وقائية، ثم اجعلها كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.
هذا دواء بسيط وطيب وممتاز، وتوجد أدوية أخرى كثيرة، لكن أعتقد أن البروزاك سوف يساعدك، وسوف يجعل طاقاتك النفسية والجسدية تتجدد وتكون أفضل مما يقلل عنك النوم، وأنا أنصحك بأن تدير الوقت بصورة جيدة، ولا تترك مجالا للفراغ؛ لأن الفراغ في حد ذاته ينشط ويحفز الوسواس.
مارس أيضا رياضة، اجتهد في نفسك من حيث مواصلة التعليم إن كنت في سن التعليم، والاجتهاد في العمل إن كنت تعمل.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.