السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري 19 سنة، متعلقة بالفن، أحب أن أقرأ عن الفنانين وتاريخهم، وأتفحص لوحاتهم وأحللها، أجد في ذلك متعة كبيرة! لكن عندما أخبر أمي وأبي عن ذلك، وأحكي لهما قصص اللوحات، غالبا تأتيني الإجابة: حسنا، هل ستدخلين الجنة الآن؟
سؤالي: هل حقا يجب أن تكون كل أعمالنا طريقا للجنة؟ هل يجب أن أسأل نفسي بعد كل عمل، هل عملي سيدخلني الجنة الآن؟
بعيدا عن الفن أيضا الكتب، الكثير من الكتب أقرأها كالراويات أو كتب:
- سلامة موسى.
- نبيل صالح.
- نوال السعداوي.
وبعض الكتاب الذين تختلف فكرتهم عن الإسلام، هل يعتبر تضييع وقت؟ لأنها لن تدخلني الجنة ولن تضيف شيئا لمحصلة الآخرة، هل يجب أن تكون هواياتي وقراءاتي طريقا للجنة؟ هل كل ما هو ليس طريقا للجنة تضييع وقت وجهد؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رنا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
- ينبغي أن نعرف الغاية التي خلقنا من أجلها، فإذا عرفناها جعلنا أعمالنا كلها توصلنا لتلك الغاية، أما من لا يعرف الغاية التي من أجلها خلق فإنه يضيع أوقاته في الأمور الدنيوية وفيما لا فائدة فيه.
- الغاية التي خلقنا الله من أجلها هي عبادته سبحانه، إذ يقول عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين).
- المسلم يجعل كل حركاته وسكناته تقربه من الله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ۖ وبذٰلك أمرت وأنا أول المسلمين)، ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (وابتسامتك في وجه أخيك صدقة) ويقول: (وفي بضع أحدكم ـ مجامعة الرجل زوجته ـ صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا) ويقول: (حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك لك فيها أجر) وقال معاذ بن جبل لأبي موسى -رضوان الله عليهما-: (إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)، فانظري كيف جعل الشرع الأعمال اليومية الروتينية تنقلب إلى عبادة يؤجر عليها الإنسان، لكن بالنية التي يغرسها المسلم في قلبه.
- الأعمال السابقة هي أعمال دنيوية محضة لا يؤجر عليها الإنسان، إلا إذا نوى النية الطيبة، وما لم ينو فليس له بها أي أجر، يقول عليه الصلاة والسلام: (الخيل لثلاثة: لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر، فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت أرواثها وآثارها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له، ورجل ربطها فخرا ورئاء ونواء لأهل الإسلام فهي وزر على ذلك) وكل هؤلاء بحسب نيتهم.
- القراءة في كتب الروايات التي لا نفع فيها لا يؤجر عليها المرء، وبالتالي فلا يمكن أن تكون سبيلا للوصول إلى الجنة، بخلاف ما لو قرأ المرء في تاريخ الإسلام واحتسب الأجر فهو مأجور على ذلك، أو في قصص الصالحين والمجاهدين والصحابة والخلفاء.
- القراءة في قصص أهل المجون والغناء والخنا والممثلين والملحدين ومن على شاكلتهم يأثم عليه المرء، لأن في ذلك إعلاء لشأنهم، مع أن الواجب العمل على محو آثارهم وعدم الإشادة بهم، بل ينبغي التحذير منهم ومن شرهم، وربما تأثر القارئ بسلوكياتهم فانحرف عن سواء السبيل.
- احرصي على ما ينفعك واستعيني بالله ولا تعجزي، واعلمي أن الحياة أنفاس معدودة فربما يفاجئنا الموت في أي لحظة.
- من حسن التدبير أن يسأل الإنسان نفسه قبل أن يباشر أي عمل، هل هذا العمل مما يقربني إلى الله؟ وهل يمكن أن أحتسب فيه الأجر عند الله؟ أم يجب علي أن أبتعد عنه؟ وهذه الأسئلة تصدر عن العقل الراجح.
- تدبري معي هذه الموعظة من عالم رباني بصير بمآلات الأمور، سأل الفضيل بن عياض رجلا فقال له: كم أتت عليك؟ أي كم بلغت من العمر؟ قال الرجل: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك، توشك أن تبلغ، فقال الرجل: يا أبا علي ! إنا لله وإنا إليه راجعون، قال له الفضيل: تعلم ما تقول؟ قال الرجل: قلت إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الفضيل: تعلم ما تفسيره؟ قال الرجل: فسره لنا يا أبا علي، قال: قولك إنا لله تقول أنا لله عبد، وأنا إلى الله راجع، فمن علم أنه عبد الله وأنه إليه راجع فليعلم بأنه موقوف، ومن علم بأنه موقوف فليعلم بأنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول فليعد للسؤال جوابا، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة، قال الرجل: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى وما بقي، فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي.
- اعلمي أن كل إنسان سيسأل عن عمره، وعن كل دقيقة في حياته أين وفيم قضاها، ففي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه).
- أشغلي نفسك بتلاوة القرآن الكريم وتفسيره والسنة النبوية وشرحها، واقرئي في سير الصحابة والعلماء والمفكرين وتاريخ الإسلام، فهذا من العمل الصالح الذي يؤجر عليه المرء.
- يجب عليك أن تعيدي تشكيل حياتك لتكون كلها طريقا للجنة، واستحضري النية في كل عمل تعملينه ولا تضيعي وقتك وجهدك، فإن الإنسان إذا مات لا يتمنى شيئا إلا أن يعود لهذه الدنيا فيعمل صالحا، يقول تعالى: (حتىٰ إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ۚ كلا ۚ إنها كلمة هو قائلها ۖ ومن ورائهم برزخ إلىٰ يوم يبعثون).
- استفيدي من والديك واطلبي مشورتهما، فهما أصحاب تجارب كثيرة، وقد عركتهما الحياة، ولن تجدي مثلهما في حب الخير لك.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق.