ضيق وتقلب في الحال، فكيف أعالج هذه المشكلة؟

0 92

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 34 سنة، ومتزوج -والحمد لله- من شهور بسيطة، ولكن أشعر أنني كثير الشك في من حولي، وأشك بتصرفات زوجتي، وكذلك أهتم بأدق التفاصيل التي تحدث في حياتي، وأظل أحلل الفعل من أكثر من ناحية، كما أنني دائما ما أخشى نوائب الدهر، ولا يبعد عن ذهني فكرة أنني سأتعرض لمشاكل سواء الفصل من عملي، أو المرض، أو الفشل في حياتي الزوجية، وإذا حدث أمر سرعان ما يذهب فكري إلى أسوأ تفسير، هذه الأمور ترهقني كثيرا، وتجعل المشاكل في حياتي منهجا يوميا.

أريد جديا أن أتعالج من هذه الحالة؛ لأنني تعبت كثيرا منها، وأوقات أظل أبكي بشدة من ضيق الصدر نتيجة هذه الأفكار، أسالكم الاستشارة وأفيدوني.

وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ علاء الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:

ليس هنالك علاج أفضل من العلاجات التي وصفها ديننا الحنيف؛ لأنها علاجات ربانية تصلح لكل إنسان، ولكل زمان ومكان، فما عاش إنسان في ضيق وكآبة إلا بسبب البعد عن تعاليم الدين، والإعراض عن تلك الوصايا والوصفات الربانية ومن ذلك ما يأتي.

العمل بالأسباب المشروعة فما من أمر إلا وجعل الله له سببا، فمن عمل بالسبب الصحيح وصل لمبتغاه، ومن عمل بالسبب الخاطئ أو ترك العمل به لم يصل إلى الهدف المنشود.

من أراد الولد تزوج، ولا يمكن أن يأتي الولد بغير هذا، ومن أراد السعادة في حياته الزوجية تخير ذات الدين الخلق، ومن أراد الذهاب إلى منطقة ما سار في الطريق المؤدي إليه.

يقول تعالى آمرا عباده أن يعملوا بالأسباب: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ۖ وإليه النشور) ويقول عليه الصلاة والسلام: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا).

من الوصايا والوصفات الإيمان بالقضاء والقدر وهو ركن هام من أركان الإيمان بالله تعالى، يقول جل وعلا: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له اكتب. قال وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.

إذا نزل أي بلاء في العبد فعليه أن يرضى ولا يتسخط، فإن الرضا يجلب الرضا والتسخط يجلب السخط، ففي الحديث: (إن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، وعلينا أن نوقن أن الابتلاء لا يأتي عبثا وإنما لذلك حكم كثيرة قد لا يعلمها العبد ومن ذلك أن يصرف الله عنه ما هو أشد من ذلك فالرضى يجلب الطمأنية وانشراح القلب والصدر.

يقول التابعي الجليل قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله: "فرضي رجل بما قسم الله له فإن قضاء الله للمؤمن خير من قضائه لنفسه وما قضى الله لك فيما تكره خير مما قضى لك فيما تحب".

ومنها أن نوقن أن مشيئة الله أقوى من مشيئتنا، وأن مشيئة الله هي النافذة مهما حاول الإنسان أن ينفذ مشيئته، يقول تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)، وعلى المؤمن أن يوقن أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

ومن ذلك حسن الظن بالله تعالى ففي الحديث القدسي يقول تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله) وفي رواية: (أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا).

ومنها التفاؤل؛ فإنه سمة من سمات شخصية نبينا عليه الصلاة والسلام وهو أسوتنا وقدوتنا، كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ومن صور التفاؤل وحسن الظن بالله ما جرى أثناء هجرته عليه الصلاة والسلام إذ قال له أبو بكر رضي الله عنه حين دخلوا في الغار وجاء المشركون يبحثون عنهما ووصلوا إلى باب الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما).

لقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التفاؤل فعن خباب بن الأرت ـ رضي الله عنه ـ قال: ( شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟، قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ).

كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن ويكره التشاؤم، فروى الإمام أحمد في مسنده أنه: ( كان يحب الفأل الحسن، ويكره الطيرة). والطيرة: هي التشاؤم بالشيء. وعند مسلم: ( وأحب الفأل الصالح) ، وعند البخاري: ( ويعجبني الفأل الصالح؛ الكلمة الحسنة).

في زمن الحديبية وحين قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وفد قريش ليصالحوه رأى فيهم سهيل بن عمرو فقال عليه الصلاة والسلام: (قد سهل أمركم).

ومنها صياغة حياتك على عدم اليأس والقنوط، وصياغتها على النظر إلى الحياة بتفاؤل، واستبدال الرسائل السلبية التي كبلتنا عن الانطلاق، وتحمل الصعاب برسائل إيجابية، وأمعن معي النظر في قول الصحابة حين أتي برجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من شرب الخمر فقال الصحابة لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به لما كان لهذه الرسالة السلبية تأثير على نفسية الرجل تجعله يستمر في الإدمان، محى عليه الصلاة والسلام تلك الرسالة بأخرى إيجابية تعزز من ثقة الرجل بنفسه وتدفعه نحو التغيير فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوه إنه يحب الله ورسوله)، فكيف تتصور نفسية هذا الرجل بهذه الشهادة من النبي عليه الصلاة والسلام، ولما أتاه بعض الصحابة وكانوا قد تركوا الخطوط الأمامية للمواجهة في القتال فقال لهم من أنتم قالوا: نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون يعني المنحازون إلى قائد الجيش فانظر كيف أبدل رسالتهم السلبية برسالة إيجابية، وكيف تتصور شعورهم من هذه الشهادة النبوية بعد أن كانت أنفسهم منكسرة.

كل أمورك كلها لله تعالى ولا تشغل عقلك، فمن توكل على الله كفاه، ومن استعان به أعانه.

أكثر من تلاوة القرآن الكريم، وحافظ على أذكار اليوم والليلة فذلك سيجلب لقلبك الطمأنينة، كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عيه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات