السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أعلم من أين أبدأ، وكيف أشرح مشكلتي، لكني سأحاول إيصال ما يجول في خاطري علني أجد هنا إجابة تزيد من إيماني ويقيني.
أنا كنت قبل سنوات ملتزمة بصلاتي، وأذكاري، ودعائي، وكنت مداومة على الاستغفار والأذكار بشكل عام، وكنت أدعو الله -عز وجل- بكل ما أتمنى، وكانت تتيسر أموري من حيث لا أحتسب، ومن دعائي كنت أدعوه عز وجل أن يرزقني الزوج الصالح، وبعد فترة أتى شخص وخطبني، وتمت الخطبة، وزواجنا تم بعد ذلك، ولكني صدمت به واكتشفت أنه عكس ما كنت أرجوه من ربي!
لا أريد أن أسرد عيوبه، ولكنه كان غير صالح بشكل عام، وأسأل الله لي وله الهداية، وكان أيضا يعاني من الفصام -أسأل الله له الشفاء-، هذا كله اكتشفته بعد زواجي منه بشهر، ولم أرض بزواج الغرر هذا، وفسخت زواجي بحكم من القضاء بعدما استخرت ربي.
سؤالي: واستغفر الله العظيم على هذا السؤال، ولو أنني لم أكن جاهلة لما سألته: لماذا دعوتي لم تتحقق، بل ما حصل لي كان عكس ما دعوت به تماما؟!
واليوم أشعر أنني فتنت في ديني، ولم أعد كما كنت ملتزمة بصلواتي وأذكاري ودعائي، وأصبحت أخاف من الدعاء، ولا أدعو بإلحاح بالرغم من أني محسنة الظن بالله -عز وجل-، ولدي أمل بأن الله سبحانه سيعوضني، ولكني حزينة، وضائعة، لا أعلم ما الواجب علي فعله؟ حتى أصبحت أشعر باليأس والعجز وقلة الحيلة.
لي 4 سنوات وأنا أعاني من هذا الشعور السيء من بعد طلاقي، وبالرغم من أنني قريبة من مكة لم أزر الحرم منذ 4 سنوات، اليوم أشعر أني لم أفلح لا في ديني ولا في دنياي!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ ابتسام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في موقعنا، ونسأل الله أن يهديك ويرزقك زوجا صالحا، والجواب على ما ذكرت.
بداية لا بد أن أذكرك بتقوى الله في السر والعلن، ولا ينبغي أن تضلي على ما أنت عليه من التقصير في الطاعات، والضعف في التدين، ولن تستطيعي الخروج مما أنت فيه إلا بالعودة إلى الله تعالى، والعمل على رضاه، قال تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
ومن جانب آخر لا شك أن ما حدث لك من الفشل في الزواج له أسباب قد يكون منها عدم المعرفة بحال الزوج والسؤال عنه، وأيضا لعلك استعجلتي في الأمر، ولم تستشيري أحدا أو لم تستخيري الله تعالى، ولهذا حصل الفشل، ومع هذا ينبغي عليك أن تخرجي من الصدمة النفسية التي وقعت فيها، وعليك كلما تذكرت الأمر أن تقولي "إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها" وإذا كررت هذا الدعاء اذهب الله عنك ما تجدين.
ثم اعلمي أن هناك أخوات مثلك حصلت لهم انتكاسة في الزواجة الأولى وصبروا على ما جرى لهم من ابتلاء ثم استمروا في حياتهم بشكل طبيعي، ولم يشكل لهم صدمة نفسية في حياتهم، ثم استقامت أحوالهم بحمد الله تعالى.
ومن جانب ثان إن تيسير الزواج وإمكانيته، يبدأ أولا بتقوى الله، فعليك بتقوى الله في السر والعلن، فإنه (من يتق الله يجعل له مخرجا)، وعليك بكثرة الدعاء والاستغفار، والإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، وقول حسبنا الله ونعم الوكيل، ثم عليك بالتعرف على أخوات صالحات يمكن أن يكون لهن أخوة صالحين يرغبون في الزواج.
ومن جانب ثالث لا ينبغي أن تصلي إلى مرحلة القنوط من رحمة الله إلى درجة حتى عدم الذهاب إلى العمرة مع قربك من مكة، عليك بالاستعاذة من شر الشيطان، وأن تعلمي أن الله رحيم بعباده، وعليك أن تحسني الظن بالله، وأبشري بخير.
وأخيرا سؤالك لماذا دعوتي لم تتحقق بل ما حصل لي كان عكس ما دعوت به تماما؟
والجواب على هذا أنصحك بالاستمرار في الدعاء، لأننا لا نعلم متى يستجيب الله لنا، ثم إنه إذا لم يحصل إجابة الدعاء، فإن لك أجرا في الآخرة، ولك أيضا أن الله يصرف عنك سوءا كان يمكن أن يقع، ولكن صرفه عنك بسبب الدعاء، فعن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها " قالوا: إذن نكثر. قال: " الله أكثر " رواه مسلم. إذن استمري بالدعاء، كما قال الصحابة إذن نكثر، فقال صلى الله عليه وسلم " الله أكثر ".
ثم من المعلوم أن الإجابة قد لا تحصل بسبب البعد عن الله، قال تعالى " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ۖ أجيب دعوة الداع إذا دعان ۖ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" [ سورة البقرة اية 186 ]، ثم اعلمي أن من موانع إجابة الدعاء الاستعجال في إجابة الدعاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل)) قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: ((يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء)) رواه مسلم.
ومن موانع إجابة الدعاء كذلك ترك اليقين في الدعاء، أو الدعاء باللسان دون حضور القلب، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه " رواه الترمذي.
والمهم عليك ترصد الأزمنة والأمكنة الشريفة، واغتنام الأحوال التي يجاب فيها الدعاء كالسجود وفي وقت السحر، حتى تكون الإجابة على قلبك أغلب من الرد، وعليك أن توقني أن الله لا يخيب سعيك لسعة كرمه، وكمال قدرته، وإحاطة علمه لتحقق صدق الرجاء وخلوص الدعاء؛ لأن الداعي ما لم يكن رجاؤه واثقا لم يكن دعاؤه صادقا.
وفقك الله لمرضاته.