السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
شكرا جزيلا على مجهوداتكم، وعلى الموقع الذي أقل ما يقال عنه أنه رائع.
أنا فتاة عمري 30 سنة، لا أعرف ماذا سأكتب بالضبط؛ لأن حالتي لا شرح لها؟ حتى هذه الكتابة أكتب بملل وبدون رغبة، فقدت الرغبة في أي شيء كيفما كان ومهما كان بسيطا، لن أقول أعيش اكتئابا، بل الأصح أنني لا أعيش أصلا.
أعيش اكتئابا منذ ثمان سنوات، والخمس سنوات الأخيرة زادت حدته، فقدت الرغبة والقدرة على القيام بأي شيء كيفما كان، حتى مجرد الكلام والتواصل، ووضعيتي تفرض علي التواصل، وأنا لدي مسؤوليات داخل البيت، معي أمي ذات الأربع والسبعين سنة، وإخوتي يدرسون, ثم مسؤولياتي خارج البيت، أي عملي، ذلك العمل وتلك الواجبات التي أجرجرها وأقوم بها بشق الأنفس من أجل الآخرين.
أما واجباتي التي تخصني وبحثي الأكاديمي فقد فاته القطار، وضاع الوقت، ولم أستطع إنجازه، فقدت القدرة على إنتاج أو إنجاز أي شيء مهما كان بسيطا، وحياتي متوقفة، الرغبة منعدمة حتى في مجرد الكلام، أو الخروج أو أي شيء، لا رغبة لي في أي شيء.
تعبت وأخاف أن أفقد وظيفتي التي أهملها بشكل كبير, وأشعر بتأنيب الضمير من تقصيري في أعمال البيت، وتقصيري في ديني، وتقصيري في وظيفتي، وتقصيري في قضاء الوقت مع أهلي، والاتصال بهم، كل شيء خارج عن إرادتي، وقد تعبت كثيرا وحزينة؛ لأني ضيعت سنوات دراستي الأخيرة، ولم أتمم بحثي الأكاديمي، ولم أستطع إتمامه.
أجلس أمام كتبي وذهني مشتت يوما وراء يوم، وسنة وراء سنة، وأنا لا أقوم بشيء، وفكري متوقف عن التفكير، وعاجز تماما عن الإنجاز، أحلامي الكبيرة توقفت، وأصبح كل شيء أمامي يضيع، وأنا نفسي أضيع، لا أفكر بشيء سوى الموت، لكن خوفي من ربي ومن تقصيري، وخوفي على أمي يقف عائقا أمام الموت الذي أصبحت أراه الأفضل لي.
أريد أن أرحل للمريخ، حيث لا أحد، وأشعر بتأنيب الضمير من أفكاري السيئة، خاصة أنني أحب أمي ومتعلقة بها، وأخاف فقدانها، لكنني تعبت من كل شيء، لا أريد دواء اكتئاب، وأخاف من عواقبه، ولم أستعمله قط، ولن أستعمله أبدا.
أرجو أن أجد نصائح بديلة، حتى الكلام حتى الدعاء شفتاي تعجز عن النطق في كثير من الأوقات، وأناجي ربي وأقول فقط يا رب أنت تعلم ماذا أريد أن أقول في دعائي حتى أني لم أعد أعرف ما أقول!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر والمثوبة على ما تقومين به من خدمة لوالدتك خاصة، ولبقية أفراد أسرتك عامة.
صحيح أن هموما كثيرة قد حلت بك، ولكن المؤمن يستطيع أن يجتاز تلك الهموم بما أوصى به نبينا عليه الصلاة والسلام من كثرة الدعاء: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل).
عليك أن توقني أنك مأجورة على ما أصابك من هم أو غم كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
قال عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكانت خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرا له).
كل شؤون الكون تسير وفق قضاء الله وقدره ولا يخرج شيء عن ذلك يقول تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
سيأتيك الفرج وسيزول الكرب بإذن الله تعالى، فأملي بالله وظني به خيرا، وأمعني النظر في قوله عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن، ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا).
أكثري من تلاوة القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم كما ورد في الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
عليك أن تستجمعي قواك وتنطلقي لتحقيق أهدافك، ولا تجعلي هذه الهموم تكبلك عن الانطلاق، ورتبي أوقاتك، وقدمي الأهم على المهم، واستعيني بالله وتوكلي عليه فإنه من استعان بالله أعانه، ومن توكل على الله كفاه.
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وانطرحي بين يديه، وسليه أن يوفقك، وأن يحقق لك أمانيك، وأن يلقي السكينة في قلبك، وينور بصيرتك، ويذهب همومك وغمومك، وكوني على يقين أن الله تعالى لن يرد يديك صفرا.
خذي قسطا كافيا من الراحة، واخرجي مع المقربات الصالحات من صديقاتك إلى أقرب متنزه، وتجاذبي معهن أطراف الحديث، واكسري حاجز الروتين اليومي الذي كبلك، وابتعدي عن العادات التي حجزت عقلك عن التفكير السليم، وجعلته يتحجر ولا يستمع إلا إلى نفسه فجعلك بالتالي تشعرين بالضيق.
مارسي الرياضة، فمن المعروف أنها تخفف الاكتئاب والضيق، وتدخل إلى القلب السعادة من خلال الهرمونات التي يفرزها الجسم عند ممارستها، وتناولي الشوكولاتة، فإن من فوائدها أنها تعالج الاكتئاب وتدخل الفرحة للقلب.
اطلبي من والدتك الدعاء، فما أجملها من لحظات حين تسمعين والدتك وهي تدعو لك بالتوفيق.
لا تجعلي كل هذه الهموم تطغى على متطلباتك الخاصة، فإن تقدم لك الرجل المناسب وتوفرت فيه الصفات المطلوب توفرها في شريك الحياة، فلا أرى أي مبرر للرفض، خاصة إن أمكن أن يكون سكنك بالقرب من والدتك لتتمكني من قضاء حوائجها.
وثقي صلتك بالله تعالى واجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فإن الحياة الطيبة لا توهب إلا بذلك كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
الحياة الدنيا كلها ابتلاء، ولا تخلو من الأكدار يقول تعالى: (تبارك الذي بيده الملك وهو علىٰ كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ۚ وهو العزيز الغفور)، ويقول تعالى:(لقد خلقنا الإنسان في كبد) قال أهل التفسير: أي (لقد خلقنا الإنسان في شدة وعناء من مكابدة الدنيا).
الجزاء يكون على قدر البلاء، فإن عظم البلاء عظم الجزاء، والابتلاء عنوان محبة الله للعبد يقول عليه الصلاة والسلام: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره، وحذار أن تتسخطي وإلا فالجزاء من جنس العمل.
اشحذي همتك، واستنهضي قواك، فبالهمة العالية تصلين إلى مبتغاك، والحياة تمضي، ولن تتوقف لهم مهموم ولا لكرب مكروب، والسعيد من وفقه الله لاجتياز العقبات.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.