السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمري ٢٥ سنة، لا أبالي لأي شيء أبدا قبل قيام الثورة السورية، كنت أدرس هندسة شبكات حاسوب وكل شيء جميل إلى أن بدأ الشتات من دولة إلى أخرى، تركت التعليم وتوجهت لسوق العمل لإعانة أهلي، وكانت تجربتي العملية ناجحة، إلى أن انتقلت إلى ألمانيا، بعد ٦سنوات من الحرب أعاني من صعوبة في التعلم، أو بالأحرى أكره العلم والمتعلمين، ولا أدري لماذا؟
تقدمت إلى اختبارات اللغة الألمانية المستوى الأول، ولم أستطع النجاح من ٣ محاولات، مع العلم أني أتكلم جيدا، لا أدري ما الذي يحصل لي أثناء الامتحان؟ منذ ٣ أعوام لم أستطع التقدم خطوة واحدة، محبط جدا لا أبارح غرفتي، لا أتكلم مع أي إنسان ولا حتى أهلي، أشعر بالحقد على كل شخص يقرأ أمامي.
انطوائي بشكل رهيب، منذ طفولتي أحاول إقناع نفسي أني أستطيع، وحقا لا أستطيع إقناعها، منذ عدة شهور لا أستطيع النوم ليلا، دائما أبكي على نفسي، أشعر أن الجميع أفضل مني، ولا فائدة من بقائي على قيد الحياة، أخاف من فقدان أبي أو أمي، كل يوم أبكي عليهما، لأنهم كبرا، وأخاف على إخوتي، أحيانا أقول لهم دعكم من العمل أنا أعمل، هذا يكفي، لا أدري ما الذي سوف تفهمونه من كلماتي، لكني ارتحت قليلا بكتابة ما بداخلي؟
شكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، وأن تعود غانما سالما إلى وطنك سوريا، وتكون دائما مرتاح البال حيثما حللت وأينما سكنت.
أيها الفاضل الكريم: أنت لديك مشاعر سلبية كثيرة نحو ذاتك، أنا أتفق معك أن ما حدث في سوريا لم يكن أمرا سهلا، وأدى إلى الكثير من الجراحات النفسية بجانب الجراحات الأخرى، لكن - يا أخي - هذه هي سنة الحياة، وأنت الحمد لله تعالى أفضل من كثير من الناس، هؤلاء الذين قضوا نحبهم في البحار حتى يجدوا الأمن والأمان في بلد آخر، وشردوا ولم يجدوا مأوى يأويهم ولا المكان المناسب، وساءت أمورهم وحياتهم، وفقدوا الأبناء وفقدوا الأحباب، هؤلاء الذين لم يجدوا العمل حتى يعيلوا أنفسهم وذويهم وحتى لا يلجئوا لأحد، هؤلاء الذين غطاهم البرد في فصل الشتاء، وهطلت عليهم الأمطار الغزيرة، وجرفت السيول مخيماتهم التي آوتهم، ووضع لا يسر حبيبا ولا عدوا، ونحزن لأجلهم، وندعو بالفرج لهم.
فيا أخي الكريم: احمد الله تعالى على ما أنت فيه من خير، واسأل الله المزيد من الخير.
من الواضح أن تركيزك واستيعابك - كما تفضلت - أصبح متشتتا وليس على المستوى الذي تريده، وتعثرك في امتحانات اللغة الألمانية لا يعني أنك أضعف من الآخرين، لكن التشتت الذهني قد يكون هو الذي أدى إلى ذلك، فأنا أريدك أن تثق في ذاتك وفي مقدراتك، وأن تنظم وقتك، تنظيم الوقت - أخي الكريم - مهم جدا.
احرص على النوم بالليل ويكون النوم مبكرا، ومارس الرياضة، واجعل لنفسك صحبة طيبة.
وموضوع الحقد على الآخرين: هذا يجب أن تكثر من الاستغفار، وأن تكثر من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا شعور مقيت، وشعور سيئ جدا، عليك أن تستعيذ بالله تعالى منه، وأن تضع لنفسك الكوابح، وأن تعلم أن حسد الآخرين (الحقد) يحبط الأعمال، ويذهب الحسنات، وهو علامة على ازدراء نعم الله، وعلامة على عدم الرضا بما قسم الله تعالى.
لا تمرر مثل هذا الشعور كأمر سهل، لا، هذا شعور مقيت، ويجب أن تقاومه، ويجب أن تحقره، ويجب أن تستبدله بما هو أفضل منه من مشاعر، وتكثر الحمد والشكر لله تعالى، وأن تدعو الله تعالى حين ترى نعمة على أخيك المسلم: (اللهم بارك له، اللهم أسألك من فضلك).
أخي الكريم: احرص على النوم الليلي المبكر؛ لأن النوم الليلي المبكر يساعد كثيرا في ترميم خلايا الدماغ، ويحسن التركيز.
ادخل على امتحان اللغة الألمانية باستراتيجيات جديدة، وادرس وكن أكثر عمقا وأكثر ثقة في نفسك، ويا أخي الكريم: خذ الأمر ببساطة شديدة جدا، الحياة كلها تجارب، لا تقسها بمقياس النجاح والفشل فقط، لا، الحياة تجارب وتجارب واكتساب مهارات، وأنا متأكد حتى إخفاقك في المرات السابقة قد تعلمت منه شيئا يفيدك في المستقبل، هكذا هي الحياة.
مشاعرك نحو والديك طيبة، أسأل الله تعالى لهما العافية والحفظ وطول العمر في العمل الصالح.
هذا هو الذي أود أن أنصحك به، وسيكون أيضا من الصواب ومن الأفضل لك أن تتناول دواء يحسن من مزاجك ويزيل عنك هذه المشاعر السلبية الشديدة. عقار مثل الـ (زيروكسات CR) سيكون جيدا، وهو في الأصل مضاد للاكتئاب ومضاد للقلق وللتوتر، ويحسن المزاج، وأعتقد أنك إذا تناولته بجرعة صغيرة سيكون جيدا بالنسبة لك. الجرعة هي: 12.5 مليجرام يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك تجعلها 12.5 مليجرام يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.