السؤال
السلام عليكم.
تعرضت في السنوات القليلة الماضية لبعض من الصدمات عندما تخلى عني الجميع حتى والدي وأسرتي، تعرضت لظلم شديد جعلني أشعر بالوحدة وأنعزل شعوريا عن الجميع، وأمشي في الطريق لوحدي وأبكي، ولا أشعر بقيمة الحياة، واقتربت من الله، حيث شعرت بالراحة والأمان، وراجعت طبيبا نفسيا، وطمأنني.
الآن وبعد أن انتهت تلك الفترة الصعبة، أصبحت لا أثق في أحد حتى والدي، وصرت بلا مشاعر، لا أتعاطف مع أحد مهما كان يتألم، علما أني سابقا كنت أتألم لفكرة فقدان أحد والدي أو أهلي، لا أهتم لموت أحد حتى نفسي، لا يهمني شيء إلا ربي، أعامل كل الناس بالحسنى، حتى من ظلموني، لإرضاء الله الذي كان ولا زال سندي، لكني شعوريا لا أتعاطف معهم، وعندما أجد من ظلمني مبتلى بالمصائب، أقول (سبحان الله) ولا أتأثر لا سلبا ولا إيجابا.
أتمنى توضيح حالتي، هل هذا أمر طبيعي، أم هي مشكلة نفسية؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ يارا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
استشارتك – حفظك الله وأعانك – تدل على وجود بعض الثقة في بعض الناس، وهو مما تشكرين عليه ويعين على الحل -بإذن الله-.
- مشكلتك في عدم ثقتك بالناس، رغم تقديري لظرفك وتفهمي لمشكلتك وإيماني بصدق قضيتك، إلا أن تعميم الحكم على الناس نوع من الظلم لا ترغبين أنت بإطلاقه عليك، ولا شك أن الواقع يدل على أن الناس فيهم الخير والشر والصالح والطالح، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سوء الظن بالناس أو تعميم الحكم القاسي عليهم، كون ذلك من الإساءة بهم والتعالي عليهم ولو بحسن نية، وقد صح عنه كما في صحيح مسلم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا قال هلك الناس: فهو أهلكهم)، وهذه النظرة التشاؤمية السوداوية تؤثر على النفس والناس والقلب والواقع أيضا.
- أخذ الحيطة والحذر الدائم من الناس، وعدم المبالغة في وضع الثقة فيهم معيب سيء ولا شك، والإنسان لا يجوز له الحكم على الناس إلا بالظاهر، والله وحده هو الذي يتولى السرائر، أما الإحباط واليأس من الناس؛ فذلك مما نهى عنه الشرع، فقابلي إساءة الناس بالإحسان وفعل الخير لهم، وعليك بالحذر من وساوس الشيطان، وينبغي للعاقل التخفيف من الخلطة الزائدة مع الناس، وإحسان اختيار الأصدقاء، وستجدين ولا شك في بعضهم الخير والطيبة والبركة.
- أنصحك بالعلاج الإيماني بلزوم الذكر والطاعة والقرآن، وكذا تعاطي العلاج النفسي لدى أهل الثقة والخبرة المختصين، والتعميم -كما تعلمين- من الظن المحرم.
- وأما بالنسبة لعدم شعورك بقيمة الحياة: فالذي أنصحك به أولا إدراك أن هذا تصور يخالف الواقع، فما زالت الحياة جديرة بالاهتمام لفعل الخير والطاعة وتحصيل الأجر والثواب، واجهي مشاعرك القاتمة بالابتسامة والتفاؤل والطموح ومواجهة مشكلاتك بهدوء وحكمة.
- عليك بلزوم صحبة منتقاة بعناية للخروج من حالة العزلة سيئة الأثر على النفس، ومراجعة طبيب نفسي مختص عند اللزوم لمعالجة ما يحتمل من الاكتئاب (ما أنزل الله من داء، إلا جعل له دواء..) والرضا بالقدر، والحياة طبعت على المتاعب وضرورة التعايش والتكيف معها، وانظري إلى الجوانب الطيبة المشرقة في الحياة، ويمكنك التخفيف من الضغط النفسي باستحضار حسن الظن بالله، وتعزيز الثقة بالنفس والتنزه والزيارة وممارسة الرياضة والاسترخاء والنوم.
ولا أفضل وأجمل من الدعاء، يسر الله أمرك وفرج همك ورزقك التوفيق والسداد والهدى والحكمة والرشاد، والله الموفق.