السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب في الـ20 من العمر، مسلم أؤمن بالله وبكتابه الشريف، أحافظ على الصلاة وكل ما أوجبه الله، ولله الحمد لدي القناعة الكاملة في أن ما اختاره الله لنا فيه الخير.
ولكن لدي نقطة أود السؤال عنها وهي دائما ما تدخلني في حيرة من أمري، مع أني سبق وناقشت بعض الأصدقاء بها ولم أجد جوابا شافيا وهو موضوع الزواج واختيارنا في مجتمعاتنا الإسلامية لشريكة الحياة.
أفهم تماما أن الإسلام منع الاختلاط كي لا يقع الحرام والزنا وما شابه ذلك وهذا شيء محمود، لكن لماذا نرى في مجتمعاتنا انغلاقا كبيرا لدرجة أن الشاب إذا أراد الزواج في مجتمعاتنا فإنه غالبا والدته أو أخته هي من ستختار له الزوجة، ويكون قد سمع عن أخلاق الفتاة وما شابه ذلك فقط، ولا يكون لهذا الشاب سوى النظرة الشرعية التي أعتبرها غير كافية ليتعرف الرجل فيها على الفتاة وليعرفا هل فعلا سيتوافقان مع بضعهما من جميع النواحي مستقبلا أم لا، لأنه وارد أن لا أعجب (فكريا) على الزوجة التي اختارتها لي أمي أو الأخت.
هناك ابتعاد كبير بين الرجل وأي امرأة حتى ولو كانت قريبته من جانب النقاش وما إلى ذلك، فنرى الرجل في مجتمعاتنا لا يحادث أي امرأة ليست محرما له، أي محادثة ولو أنها في حدود الأدب والعقلانية ليكون هذا الشيء طريقا له لما يعينه في اختيار من ستناسبه ويكون بهذا قد اختارها لفكر وتوافق لا لمجرد نظرة شرعية وإعجاب شكلي.
فهل الحاصل من الانغلاق وعدم التواصل الشبه نهائي بين الفتاة والشاب هو ما أمرنا به الشرع؟ وكيف تنصح كل شاب مسلم في اختيار شريكة حياته.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -ابننا وأخانا الفاضل- في موقعك، ونشكر لك المقدمة الرائعة والسؤال الجميل الموفق، ونسعد بتواصل أمثالك مع موقعكم، ونسأل الله أن يحفظك، وأن يرزقك عاقلة صالحة جميلة دينة تسعدها وتسعدك، ويعينك على بلوغ العفاف.
ديننا العظيم هو دين الفطرة وشرع الله، نزل من خالق البشر، ولا يعلم أسرار الصنعة مثل الصانع، كما لا يعرف أسرار المخلوق سوى الخالق، {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} سبحانه.
وأرجو أن يعلم أبنائي وبناتي أن ديننا الحنيف ما يمنع من التعارف بين الشاب والفتاة، لكنه يجعل ذلك تحت سمع وبصر الآباء والأمهات، ويؤيد حصول ذلك عبر المجيء للبيوت من أبوابها، ويسمح لكل من الشاب والفتاة النظر إلى الشريك، والحديث معه، وتحديد معالم المستقبل، ويتيح لكل طرف السؤال عن الشريك وعن حياته، بل ويدعو أهل الإيمان أن يصدقوا إذا سئلوا، فالمستشار مؤتمن.
والأهم من كل ذلك هو أن الإسلام يقيم الحياة الزوجية على الدين، ويؤكد على ضرورة حسن الاختيار، ويدعو الطرفين للاستشارة والاستخارة، ويؤكد على حصول القبول والارتياح والانشراح، ولا تتزوج الفتاة رغما عنها، وقد جاءت فتاة من الأنصار وقالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة)، فرد النبي -صلى الله عليه وسلم- نكاحها وجعل أمرها إليها، فقالت الفتاة: (قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن يعلم الناس أن ليس للآباء في الأمر شيء).
ومن هنا يتضح أن بعض ما يحصل ليس بصحيح من الناحية الشرعية، والشرع يجعل القرار النهائي للشاب وللفتاة، ويجعل دور الآباء والأمهات إرشادي وتوجيهي، وليس للأولياء أن يتدخلوا إلا إذا وجد خلل في الدين، وهذا من باب النصح الواجب.
ونحن نؤكد للآباء والأمهات بأنهم قد ينجحوا في اختيار هدية ترضي أبنائهم وبناتهم، ولكنهم قد لا ينجحوا في اختيار شريك يسعدهم؛ لأن النظر إلى الجمال مختلف، ولأن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، بل نحن نؤكد أن الفتاة قد تكون جميلة وصالحة والشاب جميل وصالح، ولكن لا يحصل بينهما الميل والقبول والارتياح والانشراح.
وهذه وصيتنا لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إليه، ونكرر لك الوصية بحسن الاختيار، واستمر في تواصلك وسوف نساعدك في الوصول إلى من تناسبك، واعلم أن في ذلك مصلحة لك ولها، بل إن الشريعة لم تشرع الخطبة إلا لحصول التعارف، والخطبة ما هي إلا وعد بالزواج لا تتيح للخاطب الخلوة بمخطوبته، ولا الخروج بها، ولكنها فرصة للتعارف والتفاهم على معالم المستقبل.. أكرر: تحت سمع وبصر الأهل وبعد المجيء للبيوت من أبوابها.
نسأل الله أن يوفقك ويسعدك.