السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لم أعد أتحمل الضغط النفسي الذي أتعب قلبي، وأذبل جسدي، فصرت كالأموات الأحياء، قررت اليوم بالبوح على جزء صغير من مشاكلي.
كنت في بادئ الأمر شابا عاديا محبا لحياته، اجتماعيا ولو بشكل قليل، إلى أن صار الطلاق بين والدي، في البداية أبديت عدم اهتمامي وتكبير الموضوع، ولكن مع الأيام بدأ يتدفق الحزن والهم إلى أن وصل الفراغ في قلبي، نعم ذاك الفراغ الذي كانت تملؤه أمي قبيل الطلاق، فأصبت بوحدة موحشة، ولا أعلم ما يفرحني وما يحزنني، فأصبت باكتئاب، وبدأت تتدفق داخل مسمعي ولو بين حين وآخر ما المغزى من الحياة؟ وما الفائدة من حياتي؟ فبعد طلاق والدي بدأت مشاكلي مع عمتي التي تحاول دائما السيطرة علي وعلى كل منا، كنت كلما أعارضها إلا وتضيق الخناق علي؛ رغم مساندتها لي من مال ودفعة معنوية، إلا أنها تقوم بذاك فقط للتفاخر أمام باقي العائلة، والمقربين من أصدقاء العائلة، فكلما تجمعت العائلة تتفاخر بما تقوم به لنا من مساندة مالية ومنزلية من طبخ، فأصبحت أحس بالذل والعار في كل تجمع عائلي.
أما مستواي الدراسي فقط انخفض بشكل كبير، إذ رسبت سنتين متتاليتين في الجامعة في السنة الأولى، وأقسم بالله كلما راجعت واستعديت للاختبارات أتفاجأ بنسياني لما راجعت وحفظت، فأصاب بيأس فوق يأسي فأعود وأغلق الأبواب علي وأدخل في حزني واكتئابي، فلم أعد أعلم ما يلزم فعله، إذ أني تحت ضغط والدي وعدم تقبله لرسوبي وتحمله لهمومي، والله لأني حائر من فعله، فهل أكرر للسنة الثالثة أم أغير مساري لشيء آخر؟ وتحت وطأة الحياة هذه أصاب بين الفينة والأخرى وخصوصا عند نومي بجنون يذهب بعقلي إلى عالم لا مدخل فيه ولا مخرج، أرى سوادا قامتا، فأنادي طالبا النجدة، إلا أنني أسمع فقط صدى صوتي عائدا لي، من هنا ألتمس منكم حلا جذريا يخرجني من جنوني، فالحياة هذه ترسخت في عيني وملئت محياي وجاورت قلبي وذهني.
شكرا لكم، وأختم كلامي بالصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ mohcine حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -ابننا وأخانا الفاضل- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والحرص والسؤال، ونسأل الله أن يوفقك ويسعدك ويصلح الأحوال، وأن يؤلف بين القلوب ويحقق لنا ولكم الآمال.
قرأت رسالتك، وكررت قراءتها، وأشاركك المشاعر، وأشعر بما تشعر به، ولكني على ثقة أن من كتب هذه الأسطر يستطيع أن يتجاوز الأزمة بحول الله وقوته، وأنت -ولله الحمد- وصلت إلى المرحلة الجامعية فتوجه إلى القدير الكريم رب البرية، واسأله التوفيق للحياة الرضية، واستمر في التواصل مع موقعك، وثق بأننا جميعا في خدمتك، وأنت في مكان أبنائنا وإخواننا الصغار، ونتمنى أن تعرض كل ما في نفسك حتى نشاركك الهموم، ونتعاون جميعا في تحسين الأوضاع وتصحيحها، فطلاق الأبوين ليس سهلا على الأبناء، لكنه ليس نهاية المطاف، ونحن ننتظر أن يكون للأبناء دورا كبيرا في الوصول إلى الوفاق أو تهدئة النفوس.
واعلم أن الأب يظل أبا حتى لو قصر، كما أن الأم تظل أما حتى لو قصرت، ويؤسفنا أن نقول أن العناد الحاصل بين الآباء بعد الطلاق قد يكون أول ضحاياه هم الأبناء، والشيطان له مداخل وهمه أن يغرس شجرة العداوة والبغضاء، وهو أول من يفرح بالطلاق، ومن واجبنا أن نفوت الفرصة على أعدائنا.
أما بالنسبة للعمة فأرجو أن تقبل إحسانها، وتشكر لها ما تقوم به، وتحمل ما يحصل منها، فلها حق البر والوفاء، والعمة من أقرب الناس للأبناء والبنات، وتذكر أنه لا لوم عليك في الذي حصل من والديك، فلا تحمل نفسك ما لا تطيق، ولا تعاتب نفسك أو تجلد ذاتك في أشياء لا دخل لك فيها، وحسن علاقتك بوالديك، وأحسن إلى عمتك، وقبل ذلك أصلح ما بينك وبين ربك ومولاك، وأبشر بالخير والفلاح.
أما بالنسبة للدراسة فننصحك بالإقبال عليها والإهمام بها؛ لأنها من أسباب تجاوزك للأزمات، فالنجاح مطلب وهو سبيل إلى الحياة الهانئة، فاجعل ما حصل دافعا لك لمزيد من الاجتهاد، وتذكر أن تفوقك من أهم أسباب سعادتك وسعادة كل من حولك.
ولا يخفى عليك أن تراكم الهموم وتزاحم المشكلات من أسباب الضيق الذي تشعر به، فاطرد همومك بالاستغفار وبالصلاة والسلام على رسولنا المختار، وردد بلسان الأبرار: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فإن بعدها: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}، وعود لسانك على ترداد (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها كنز وذكر واستعانة.
وهذه وصيتنا لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إلى الله، واقرأ على نفسك الرقية الشرعية، وتواصل مع موقعك، ورتب جدول المذاكرة، ونسأل الله لك النجاح والفلاح.