السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعد عناء وتردد ومحاولة إصلاح ذاتية وفشلها أكتب إليكم لعلي أجد عندكم حلا لحالتي!
سأسرد لكم مشكلتي بتفاصيلها.
منذ تسع سنوات كنت على التزام لا بأس به، صلوات في أوقاتها، ونوافل، وقيام ليل، وورد يومي من القرآن وحفظه، وصيام الاثنين والخميس والأيام البيض، وكثرة الذكر.
كنت بعيدة عن الكلام مع الشباب، أو إقامة علاقات، بعيدة عن الغيبة والنميمة، وبعض الفضائل الأخرى، انقلب الحال إلى أسوأ حال يمكن أن يكون عليه مسلم، انفكت عقدة الالتزام عقدة عقدة، فلم أعد ألبس لباسا شرعيا، صرت أسمع الأغاني، وأحادث الشباب، والأدهى والأمر تركت الصلاة وصرت كتلك الطفلة التي في بداية تعلمها الصلاة تصلي يوما وتتركها أياما، كما أني أعاني من مشكل منذ نعومة أظافري، وهو ممارسة العادة الرذيلة، امتنعت عنها أيام التزامي ولكني عدت الآن أشد من الأول، سرت أدمنها، وتطور الأمر إلى مشاهدة الأفلام الإباحية، أجد في نفسي قسوة شديدة، وعصبية، لقد حاولت استشعار نظر الله سبحانه وتعالى، وأقول لنفسي: توقفي إنك تبارزين ربك بالمعاصي وتنتهكين محارمه.
أحاول وأحاول لكن نفسي غلبتني وسارت تسوقني، وتجرجرني إلى المعاصي جرا جرا، أريد العودة إلى ما كنت وأفضل، لقد حاولت التوبة مرات ومرات، أصلي وأناجي ربي، أواظب على الصلاة أيام قليلة جدا، ثم أعود كأني لم أتب، لا أجد حلا لنفسي للخروج من هذه الحال، أعرف أني أستحق اللوم والعقاب، أستحق كل ما يمكن أن يقال من سوء عن حالي، أشير إلى أني بعيدة عن الغيبة والنميمة، ذنوبي ليست مع العباد ولله الحمد.
أريد حلا عمليا، أنا أعلم بنظر الله، أعلم بعظمة ذنوبي، أعلم بكل هذا، كما أني أعلم بكرم الله ورحمته، أريد حلا مخافة أن يختم لي بسوء، أتمنى عمل عمرة لعلي أسترجع شيئا مما فقدت.
أنجدوني! فلعل الله يجعلكم سببا في هدايتي، أرجو الرد في أسرع وقت ممكن، وجزاكم الله خيري الدنيا والآخرة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله أن يهدي قلبك ويتوب عليك ويرزقك الاستقامة والصلاح.
إن الاستمرار على الاستقامة وعدم الانتكاسة فيها مطلب كل مسلم، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بقوله: (اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور)، ومعناه: أعوذ بك من النقصان بعد الزيادة، وفساد الأمور بعد صلاحها.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك)، كل ذلك خوفا من الانحراف بعد الاستقامة.
ومن خلال سردك لحالتك أثناء الاستقامة، وما صرت إليه من حال بعد حالك الأول، نكاد نجزم أنك وقعت في "فتنة"، وما حصل معك من تغيير في الحال، هو دليل على حصول الفتنة في حياتك، وقد أشار إلى ذلك الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان بقوله: (من أحب أن يعلم أصابته الفتنة أو لا: فلينظر، فإن رأى حلالا كان يراه حراما، أو يرى حراما كان يراه حلالا: فليعلم أن قد أصابته) رواه ابن أبي شيبة.
ولعل هناك أسباب أوقعتك في هذه الفتنة العظيمة التي غيرت حياتك وقلبت اهتماماتك رأسا على عقب -والعياذ بالله-، لكن مادام أنك تحسين بهذه المصيبة وترغبين في العودة إلى ما كنت عليه من استقامة وصلاح، فهذا دليل بقايا خير في نفسك، ولعل هذا الخير ينمو ويزاد.
والواجب عليك أن تعلمي سبب الداء الذي أصابك، ثم تنقذين نفسك من آثاره السيئة، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، وأنا على ثقة بأنك إن صدقت مع ربك تعالى في حب النجاة مما أنت فيه من فتنة، فإن الله تعالى سينجيك من تلك الفتن، ويأخذ بيدك إلى بر الأمان.
وإليك مجموعة من النصائح والتوجيهات لعلها أن تساعدك على إصلاح حالك، لأن الفتنة قد تغلغلت فيك وأنت بحاجة إلى دوافع إيمانية ونفسية قوية تدفعي بها تلك الشرور التي دخلت في قلبك، وعقلك، ومن ذلك:
- العزم الصادق على التوبة النصوح، والندم على ما فات، والإقبال على الله بقلبك وجوارحك، والفرار إليه، فإنه لا ملجأ منه إلا إليه سبحانه (ففروا إلى الله).
- الدعاء بقلب حاضر، ونفس مضطرة، وإخبات، وتذلل، ورغبة، ويقين بأن الله سيستجيب، وذلك في أوقات الاستجابة، قومي آخر الليل بين يدي ربك تعالى تناجيه بالعبادة، وتدعوه بأن ينجيك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحبب إليك الإيمان، ويزينه في قلبك وعلى جوارحك، وأن يكره إليك الكفر، والفسوق، والعصيان، وكرري ذلك في كل ليلة ولا تستعجلي.
- ربما كان من أسباب الانتكاسة التدين بجهل، لذا فعليك بالعلم، فإن فقيها واحدا أشد على الشيطان من ألف عابد، كما يروى عن ابن عباس، فاحرصي على تعلم دينك؛ فإن من شأن العلم الشرعي النافع أن يحفظ أهله من الزلل؛ لما يعلمونه من قصر هذه الحياة، وعدم بقائها، وأن الموت حق لا ريب فيه.
- عليك من الإكثار من الطاعات، والأعمال الصالحة، مع كمال الإخلاص فيها وتنقيتها من شوائب الشرك والرياء، وحب السمعة، فقد يكون سبب الانحراف لديك قلة إخلاصك لله فيما سبق من طاعات، واجعلي لنفسك وردا من قراءة للقرآن والأذكار، ووردا لأعمال صالحة تقومين بها في ليلك ونهارك ولو كانت قليلة تحافظين عليها بصورة مستمرة دون انقطاع.
عليك بالبحث عن رفقة صالحة، فللصحبة الصالحة التقية الطيبة أثرها البالغ في حياة الشخص واستقامته، وقد قال الله تعالى في كتابه: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) الكهف:28.
وإياك والرفقة السيئة، فلها خطر عظيم على استقامة الشخص، لأن الصاحب ساحب كما يقال، وربما كانت الرفقة السيئة من أسباب انحرافك.
- تذكري دائما الموت ولقاء الله، وخافي على نفسك من سوء الخاتمة، فليس كل مسلم يوفق لحسن الخاتمة، بل المسلم يموت على ما يعيش عليه، فاحذري من فوات وقت التوبة عليك، فلا تدري متى كتب الله عليك الموت، والدنيا دار عمل لا جزاء، وغدا تقبل على دار جزاء لا عمل.
- وتذكري أنه لا سعادة تعدل سعادة الإيمان والقرب من الرحمن, ولذة الطاعة والعبادة، فالتقي هو السعيد, والمستقيم هو المطمئن المستريح، وقد طعمتي ذلك في فيما سبق من حياتك، والآن تذوقي شيئا من الضنك والقلق بسبب البعد عن الله، وشتان بينهما، والعاقل من اعتبر واتعظ.
- ننصحك بالبحث عن زوج صالح، فالزواج استكمال لنصف دين المسلم، وبه -إن شاء الله- تتحصني من الحرام.
- كما ننصحك بالذهاب إلى العمرة مع رفقة صالحة متقية من الأخوات، وضمن برنامج إيماني تلتزمين بتنفيذه هناك، لعل الله أن يفتح قلبك للطاعة والاستقامة ويقبل توبتك ويمحو حوبتك.
- ثقي بالله، وأحسني الظن فيه، ولا تيأسي، ولا تقنطي، وسارعي إلى العودة إليه سبحانه، فهو يحب التوابين ويحب المتطهرين.
أسأل الله أن يهدي قلبك ويتوب عليك، ويوفقك لما يحب ويرضى.