السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منذ صغري وتحديدا منذ أن كان عمري (7) سنوات وأنا أعشق التمثيل، كنت أدعو ربي دائما وما زلت أن يوفقني للتمثيل حتى ولو دور كومبارس صغير، وعندما أرى من هم في عمري من البنات يمثلن أدوار البطولة بجانب كبار الفنانين، كان قلبي يعتصر من الحسرة والغيرة، وكنت أتمنى من كل قلبي لو كان أبي يعمل بالوسط الفني، وقد كانت لدي موهبة التمثيل والتقليد، وأنا أحاول جاهدة أن أنميها وأصقلها دون الحاجة لدخول أكاديمية أو معهد، وحتى الآن حلمي أصبح أكبر، حلم حياتي أن أمثل .
والآن أدرس السنة الأولى في الجامعة، وما زال قلبي يعتصر من الحسرة والغيرة عندما أجد من هم في عمري البنات يمثلن، وأصبحت مشهورات.
ومنذ حوالي شهرين التقيت بمخرج تلفزيوني معروف، وجمعتني صداقة مع ابنته، وقد اكتشف موهبتي التمثيلية حين قلدت له شخصية فنية معينة وشخصيات غيرها كثيرة، ووجد لدي القدرة على الحفظ السريع للحوار، ولكني لم أكن أقصد أبدا وقتها أن أقلد له حتى يكتشف موهبتي، والآن عرض علي دور البطولة في مسلسل جديد وضخم، وعرض علي مقابل ذلك أجرا كبيرا جدا.
إن حلم حياتي أن أصبح مشهورة وأمثل، ولكني أخاف الله، وأعلم أنني سوف أعاقب بالآخرة، وهذا ما جعلني مترددة حتى الآن بالموافقة على الدور، مع العلم بأن هذا الدور سوف يطلقني إلى عالم النجومية والشهرة كالصاروخ، ماذا أفعل، فقلبي يعتصر على الموافقة على الدور؟ هل أوافق عليه أم أعتذر؟
أفيدوني يا أهل الخير، أرجوكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ نادين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله العظيم أن يرزقك السداد والرشاد، وأن يجنبك أهل الشر والفساد، وأن ينفع بك أهلك والبلاد، وأن يرزقك الزوج الصالح ونجابة الأولاد.
إن العاقل يعرف أن أغلى ما عنده هو الدين، ويوقن أنه خلق لغاية عظيمة، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)[الذاريات:56]، وفلاح الإنسان بمقدار قيامه بهذه المهمة العظيمة التي بعثت لأجلها الرسل ونزلت لتوضيحها الكتب، وأنت يا فتاة الإسلام مسئولة أمام الله، فاتقي الله في نفسك، واجتهدي في التشبه بالصحابيات وأمهات المؤمنين، واعلمي أنه لا يليق بامرأة تخاف الله أن تدخل الوسط الفني -كما يسمى-؛ لأن هذا الوسط وبشهادة التائبين من أهله مليء بالمصائب والمخالفات الشرعية العظيمة، ويعيش أهله في تعاسة وشقاء، فلا تغرنك الابتسامات على الشاشات، فإنها ضحكات مدفوعة القيمة ولزوم الوظيفة، ولا عجب فهذا شأن أهل الإعراض عن الله والغفلة عن طاعته، قال تعالى: ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى )[طه:124-127].
واعلمي أن أغلى ما تملكه الفتاة بعد إيمانها هو هذا الحياء الذي هو كالغطاء للحلوى، فإذا فقدت الحلوى غطاءها أصبحت عرضة للجراثيم والقاذورات، ولا يمكن للفتاة أن تتقدم في الوسط الفني إلا إذا قدمت تنازلات في عرضها وشرفها، فإن تجار الشهوات يستغلون جسد المرأة وعرضها في زمان الشهوات الحيوانية، وماذا تنتظر من فتاة تعيش مع أهل الخمور والمخدرات؟ ولا يخفى على المتابعين لأخبار المشاهير من أهل الفن ما هم عليه من فسوق وعصيان فاحت روائحه واستفاضت أخباره.
فهذه يقبض عليها ضمن شبكة ترويج المخدرات، وتلك تموت مقتولة في حجرتها بعد أن خانت أهلها وعصت ربها ودفعت ثمن خيانتها للخونة الذين يتنافسون عليها، وما كل ما يعلم يقال، واللبيب تكفيه الإشارة.
وقد اعترف كثير من أهل الفن والشهرة بتعاستهم وشقائهم الذي يدفعهم للهروب إلى المسكرات والمخدرات والانتحار، ولا عجب، فإن للمعصية ظلمة في الوجه وضيق في الصدر ( يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون )[الأنعام:125].
وأرجو أن تحرصي على النية الحسنة والعمل الصالح، واعلمي أن أسوأ الناس منزلة من يقول: لو أن لي مثل مال فلان أو شهرة فلانة فأفعل مثل ما تفعل، فهما في الوزر سواء، تلك بعملها الخبيث وهذه بنيتها الخبيثة، والعياذ بالله.
ولماذا لم يعتصر قلبك ألما عندما تجدين من تحفظ كتاب الله، وتقدم خدمات جليلة لأمتها وبنات جنسها؟!
ولا شك أن بذرة الخوف التي في صدرك دليل على ما عندك من الخير؛ فلا تفرطي في ذلك النور، وأرجو أن تسارعي بالاعتذار، واستغفري الغفار، وتجنبي الشيطان والأشرار، فإنهم يزينون الشر ويدفعونك إلى النار ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا )[النساء:27-28]، وسوف تجدين من الشياطين من يثني على اسمك ومظهرك وطريقتك، وهذه كلها من حبائل الشيطان فانتبهي، واعلمي أنه من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وتذكري أن الدنيا متاع قليل وعرض زائل، وأن هناك قبر وحشر ووقوف بين يدي الله، ثم انصراف إلى جنة أو نار، وأرجو أن تسارعي بالاعتذار، واحفظي وقتك وشبابك، فإنه ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع -وفيها: وعن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه ).
وننصحك بالابتعاد عن مشاهدة المسلسلات؛ حتى لا يزداد تعلقك بالشهرة الكاذبة، وأرجو أن تراجعي كلام التائبات من الفنانات والفنانين، واجعلي بدايتك من حيث انتهوا، والسعيد من اتعظ بغيره.
نسأل الله أن يحفظك ويسدد خطاك.