السؤال
السلام عليكم
وبعد فأرجو منكم قراءة رسالتي بتأن، والرد على كل صغيرة وكبيرة بها.
أنا شاب بعمر ١٧ سنة، رزقني الله جمال الصوت، وحسن قراءة القرآن، فصليت بالناس شهر رمضان الماضي كاملا -العشاء والتراويح-، ولكن عندما عرض علي الأمر رفضت في البداية، ولكن بعد تفكير عميق وافقت، وقلت في نفسي لعل هذه الخطوة تكون أول خطوات هدايتي من ذنوب الخلوات، ومع أني كنت إماما إلا أني لم أتخلص من هذه المعاصي.
في صباح أحد أيام الشهر الكريم مارست العادة السرية، وأمسكت باقي اليوم، وقضيته بعد رمضان، المشكلة ببساطة هي لا تنهاني صلاتي عن الفحشاء والمنكر.
الآن عرض علي الصلاة في رمضان المقبل، ووافقت، ولكن لا أريده أن يكون مثل رمضان السابق أريد أن يكون هذا الشهر هو نقطة تحول في حياتي.
أنا -والحمد لله- محافظ على الصلوات الخمس في المسجد، وصلاة الضحى، والشفع والوتر، وأحيانا قيام الليل، ومن قريب أصبحت أصوم الاثنين والخميس والأيام البيض.
الناس ينادونني بالشيخ، والحمد لله لا أشعر بأي فخر أو رياء، بل أقول اللهم اغفر لي ما لا يعلمون.
دائما أفكر بالزواج، وما يحدث بين المتزوجين من أمور جنسية، ومواقف اجتماعية، وأجهز ردود أفعال سأفعلها إن قامت زوجتي بالشيء الفلاني، وأجهز ردودا لها.
هل أنا طبيعي؟ لأن أمامي ٥ سنوات كي أفكر في الزواج، وأتخيل أني متزوج، وأتخيل مواقف تحدث بيني وبين زوجتي التي رسمها خيالي، وكل ذلك يعوقني عن الدراسة بشكل جيد، ويمنعني من تحقيق أهدافي.
كلما عزمت على عدم الرجوع إلى الاستمناء، ومشاهدة مقاطع التقبيل، أعود، لقد تعبت من كثرة الذنوب، ولكن لم أفقد العزيمة، فأنا الآن تائب، ولكن أراسلكم لأني لا أريد الوقوع مرة أخرى.
1- فما السبيل للثبات على طريق الله، وعدم الانتكاسة؟
2- هل من الممكن أن يجتمع في شخص واحد الإمامة والمعاصي؟
3- أريد أن أمسح من ذاكرتي أمر الزواج والتفكير فيما يحدث فيه من جنس وغيره؛ لأن ذلك يؤثر بالسلب على دراستي، ويرجعني لنقطة الصفر في مشوار هدايتي.
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الحائر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الولد المبارك- وردا على استشارتك أقول:
سررت كثيرا بأنك صليت بالناس العام المنصرم، وطلب منك هذا العام كذلك، ومهما حصل منك من تفريط فهذا لا يعني أنك تترك الخير، أو القيام بأي عمل في هذا الاتجاه، مع إخلاص النية وتجديدها ما بين الحين والآخر.
قد يجتمع في العبد الطاعة والمعصية والإيمان والذنب، والإنسان غير مبرأ من الوقوع في الذنوب، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم).
قد يتكرر من المسلم الذنب أكثر من مرة، وقد يتوب ثم يعود له مرة أخرى، وهذا لا يعني أنه يستمر في علم المعصية، فذلك هو ما يريده الشيطان الرجيم بل كلما عدت للذنب فأحدث توبة، وأخلص فيها لله، واجتهد في البعد عنها أكثر، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: (أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك)، أي ما دمت تستغفر فإن الله يغفر لك، ولا يعني هذا أن الله أباح للعبد أن يفعل الذنوب.
أوصيك أن تكثر من الصوم؛ فإنه علاج نافع للحد من الشهوة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
التفكير بالزواج في وقت أنت لست مستعدا لذلك سيتعبك كثيرا، وهو ما يهيج الشهوة، وكذلك النظر في الصور وفي المناظر التي تثير الغريزة، فابتعد عن هذه الأسباب ابتغاء وجه الله، واعلم أن الله يراك يراقبك، وكون أنك تستخفي من الناس أن يروك وأنت تفعل ذلك فالله أحق أن تستحيي منه، وتذكر قوله تعالى: (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين) وقال: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وقال: (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون).
يقول عليه الصلاة والسلام: (استحيوا من الله حق الحياء، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله، قال ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء).
من وسائل الثبات على الدين:
أولا: كثرة تلاوة القرآن الكريم وتدبره: فالقرآن العظيم حبل الله المتين، والنور المبين، من تمسك به عصمه الله، ومن اتبعه أنجاه الله، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ومن الغايات التي من أجلها أنزل هذا الكتاب منجما مفصلا هي التثبيت، فقال تعالى في معرض الرد على شبه الكفار: (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا . ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا).
ثانيا: الالتزام بشرع الله والعمل الصالح: قال الله تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) قال قتادة: "أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر".
قال سبحانه: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) أي على الحق. وهذا بين، وإلا فهل نتوقع ثباتا من الكسالى القاعدين عن الأعمال الصالحة إذا أطلت الفتنة برأسها وكشرت الشبهات عن أنيابها.
ثالثا: تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل: يقول تعالى: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) فما نزلت تلك الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم للتلهي والتفكه، وإنما لغرض عظيم هو تثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفئدة المؤمنين معه.
رابعا: كثرة الدعاء: فمن صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)، (...ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا..).
خامسا: ذكر الله: وهو من أعظم أسباب التثبيت؛ تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد وفي بقية الأوقات من باب أولى.
سادسا: الرفقة الصالحة فهي من أسباب الإعانة على الثبات يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة) ويقول عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) ويقال في المثل: الصاحب ساحب.
كلما جاءك التفكير بأمور الجنس والزواج فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم واصرف فكرك، وذلك بإشغال نفسك بأي عمل تقوم به، وتحرك عن المكان الذي أتتك فيه تلك الأفكار، ولا تختلي بنفسك؛ فالاختلاء مدعاة لتلك الأفكار.
فكر في مستقبلك وتحصيلك العلمي، واجتهد في الترقي في السلم العلمي، واعلم أن حياتك ومستقبلك مرهون بمكانتك العلمية، وكلما شحذت همتك في هذا المجال ابتعدت عنك الأفكار الدونية.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.