كيفية التصرف مع الوالد المبتلى بالكذب والوساوس؟

0 405

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي مشكلة مع والدي، في الحقيقة أنا لا أستطيع أن أتعامل معه وبشكل طيب، بمعنى أنني أظهر له نوعا من التذمر وضيق النفس؛ ليس لأنني إنسان لا أفهم العلاقة الجليلة بين الوالدين والأبناء، ولكن المشكلة تكمن في والدي، فهو يعاني من الوسواس والشك الذي خرب العلاقات وهدم الثقة بيننا جميعا، بمعنى أن إخوتي لا يصدقون كلمة يقولها والدي؛ لأن والدي تعود قول الكذب، مما جعلنا جميعا لا نعير اهتماما لما يقوله من كلام، والمشكلة الكبرى أنه يظن ظن السوء بنا، ويتخيل أمورا لا صحة لها، ولا يحب أن يناقشه أحد فيما يقوله، بمعنى أن الذي يفكر فيه خيال قد اختلقه ولا دخل له في الواقع، فهو يضمر الحقد علينا، ويدعو علينا ليل نهار، والمشكلة أنه لا يتحدث إلا في مواضيع قد ضقنا ذرعا منها، ويتخيل أن العالم سيموت غدا، ويتخيل أنه فقير جدا ولا يملك المال، فيعيش في هذا الخيال بحذافيره، أي أنه يقول لأصحاب المحلات: إنه فقير ولا يملك مالا، مما يسبب لنا حرجا نحن في غنى عنه.


والمشكلة الآن هي احتمال أن أتوظف، وهو يطالبني بالنقود مهما كان المبلغ الذي سأحصل عليه، وأنا في حقيقة الأمر لا أود ذلك، ليس لأنني لا أود أن أرد الإحسان، ولكنني أشعر بأنه يحب المال أكثر مني، وهذا ما يجعلني أتصرف بعنف، وهو يهدد بأنه سيدعو علينا، فماذا عساي أن أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الابنة الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله العظيم أن يغفر الذنوب، وأن يستر العيوب، وأن يجعلنا ممن يراقب علام الغيوب، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.

ابنتي! إن وجود عيب في أحد الوالدين لا يبيح لنا معاملته بقسوة أو التقصير في حقه؛ فإن الله أمرنا بصحبتهم بالمعروف، والإحسان إليهم، والصبر على أذاهم، والتلطف في نصحهم وتوجيههم، ولنا في خليل الرحمن أسوة حسنة، وقد نقل القرآن أدبه ولطفه في النصح لأبيه، فقال تعالى عنه: (( يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا))[مريم:43-45].

وأرجو أن تجتهدي في البحث عن السبب لتلك الوساوس والظنون، فإن بعض الأبناء يخفون على والديهم بعض الأشياء فتنعدم الثقة، ويصبح الوالد يشك في كل التصرفات، ويظن أن أهل البيت يتآمرون عليه، وقد يؤيد هذا الشعور وقوف الأم مع أبنائها وبناتها عندما يحدث خلاف، وهذا بلا شك يؤثر في الوالد، ويدفعه إلى اللجوء إلى أساليب يغيظ بها الأبناء، ويدفعهم إلى الاهتمام به وإشراكه في كل صغيرة وكبيرة وإجبارهم على الاهتمام به.

ولا شك أن وجود المال في يديه سوف يعينه على التخلص من مسألة الشكوى للناس، ويمكن إعطاؤه أموالا حتى يقوم بشراء الأشياء الأساسية للمنزل، وعند ذلك سوف يشعر بمكانته.

ولا شك أن الكذب هو آفة الآفات، ولا يمكن للناس أن يثقوا في الكذاب، ولكن عدم اهتمامك بكلامه هو الذي يدفعه لأن يظن بكم الظنون، فالصواب أن نهتم بكلامه، ونقترب منه لنعرف الدوافع الحقيقية وراء ميله إلى الكذب، وإذا اقتربنا منه استطعنا أن ننصحه برفق، ونبين له عاقبة الكذب ونذكره بالله.

ولا أظن أن والدا يحقد على عياله، ولكن هذا الشعور دليل على أنكم تركتم الوالد في عزلة، وهذا بلا شك يغضبه؛ لأن كبار السن اعتادوا على تحمل المسئوليات، وعاشوا حياة فيها شيء من الصعوبة، ويريدوا أن يتدخلوا في كل صغيرة وكبيرة، فعلينا أن نحسن الاستماع، ونعمل بالصواب ونترك ما عداه، ولذا قال تعالى: ((إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ))[الإسراء:23]، وهي كلمة تدل على الضجر، وغالبا ما تقال عند تدخل الوالد في الصغيرة والكبيرة أو إقراره على رأي معين قد لا يصلح في زماننا، ولكن من واجبنا أن نتقبل ذلك ونطيب خاطره ولا نسفه رأيه فنقول: أنت لا تعرف أو أنت مخرف، فهذا كله لا يليق وهو من العقوق، وكان بعض أئمة السلف يجلس مع طلابه فتأتي أمه وتقول: قم وأعط الدجاج عشاءه، فكان يترك الدرس والطلاب ويذهب ليعطي الدجاج عشاءه في تواضع وأدب، مع أن هذا الموضوع يمكن أن يقوم به الصغير والخادم أو حتى بعض الطلاب نيابة عن الشيخ.

وأرجو أن تغيروا طريقة التعامل معه، ولا تهتموا لما يحدث؛ فكثير من كبار السن يفعلون أشياء قد تسبب الحرج لأولادهم لاختلاف الزمان والأحوال، وأرجو أن ننظر في دوافعهم الحقيقية وحبهم الذي قد لا يحسنون التعبير عنه، ولا تبخلي عليه بما تستطيعين من المال، خاصة إذا كان محتاجا، وسوف يبارك الله لك لبرك لوالدك.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات