السؤال
السلام عليكم.
أعاني من أفكار غريبة منذ زمن بعيد، مثلا: إن لم أشرب الماء فإنني سأموت، وأنا أعلم أن هذه ليست حقيقة، ولكن في إحدى المرات قرأت أن الإنسان إذا ركز على شيء فإنه يصبح حقيقة. قال لنا أحد الأساتذة في الجامعة: إن أحد الأشخاص كان قد تقرر إعدامه عن طريقة تصفية دمائه، وفي وقت الإعدام قاموا بتركيب الإبر، وقاموا بتغطية عيونه وإحضار دلو وأوهموه أنهم يسحبون منه دمه، فتوفي، مع أنهم في الحقيقة لم يقوموا بشيء كهذا.
وبعدها أصبحت أخاف، وقلت ماذا لو اقتنع عقلي بفكرة أن عدم شربي للماء سيجعلني أموت، وأعطى وأرسل إشارات للقلب وتوقف ومت، ثم بعدها أخاف مرة أخرى وأقول لنفسي: إن المؤمن لا يؤمن هكذا، وأشك أنني كفرت، ولكن أقول: إن خوفي وتجاوبي مع الأفكار هو دليل أنني مؤمنة بها، هل من الممكن أن أكون مؤمنة أم أن هذا مرض، وأنا أعاني من هذه المشكلة؟
في الصغر كانت أحيانا تأتيني بأشكال أخرى مثل: إن لم أغلق الباب سيموت أحد، أو إن لم أردد بعض الكلمات سيموت أحد من الأشخاص، وأشعر بالخوف، وقلبي يخفق عندما تأتيني؛ مما أضطر لإغلاق الباب حتى تذهب مشاعر الخوف، وأشعر بالاطمئنان عندما أغلقه وكأني ضمنت عدم موت أحد!
أعلم أن الحياة والموت بيد الله، وأتشهد في اليوم عشرات المرات، فأنا أذهب لسريري في الساعة العاشرة ولا أنأم قبل الواحدة؛ لأنني أعاني من صعوبة في نطق الشهادتين، أحيانا أشعر أنني لم أنطق الحرف بشكل صحيح، وأحيانا أترك الشدة أو أفخم الراء وأشددها في كلمة رسول الله، وأشعر أنني متعمدة لفظها بالخطأ، كلما سألت شيخا قال لي: إن لم تستقر في قلبك تجاهليها. وهنا المشكلة أشعر أنها مني وأنني مؤمنة بها، وأعتبر تجاوبي ومشاعر الخوف التي تنتابني عند خطورة الفكرة دليل على إيماني.
لا أعلم ما الحل! أصبحت متعبة من قلة النوم، وأصبح وجهي شاحبا، وأصبحت أكبر من عمري بالمظهر، ولا أعلم ماذا أفعل؟! فأنا ذهبت لأفضل لطبيب نفسي ولكني لم أتحسن!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ مرام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قطعا الذي تعانين منه هو أعراض وساوس قهرية، كل هذه الأفكار التي تنتابك -أيتها الفاضلة الكريمة- والاجترارات الشديدة ذات الطابع الديني -وكذلك الأفعال مثل إغلاق الباب- هذا كله وسواس، وقطعا ما قمت به من تصرف -مثلا لإزالة القلق والخوف من خلال إغلاق الباب- هو مكافأة كبيرة جدا للوسواس، ومبدأ العلاج الصحيح هو التعرض أو التعريض مع منع الاستجابة السلبية، أي أن تعرضي نفسك لمصدر وساوسك دون أن تقومي بما يطلبه منك الوسواس؛ هذا سوف يولد قلقا، لكن حين يستمر الإنسان في مقاومته وتحقيره وتجاهله للوسواس سوف يضعف الوسواس تماما إن شاء الله تعالى.
الوساوس الدينية كثيرة، وهي تتدرج عند الناس، وفي بعض الأحيان تكون بالفعل مؤلمة جدا للنفس المؤمنة، وفي هذا السياق أريد أن أطمئنك تماما أن هذه الوساوس قد أتت لأفضل القرون، فهنالك أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكوا إليه قائلين: (والله لزوال السموات والأرض خير لنا من أن نتحدث عما يأتينا في نفوسنا) -أو كما قالوا رضوان الله عليهم- فأعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم دفعة إيمانية عظيمة بقوله: ((ذاك صريح الإيمان))، وأرشدهم صلى الله عليه وسلم أن يقولوا حين تأتيهم مثل هذه الوساوس ((آمنت بالله)) وأمرهم بالانتهاء بقوله: ((ثم لينته)) أي لا يخوض أحدهم في هذه الأفكار.
وعلوم النفس السلوكية الحديثة أثبتت أن من أفضل وسائل العلاج هي التحقير والتجاهل والانصراف عن تلك الوساوس، وعدم الخوض في مناقشة الوسواس؛ لأن ذلك يقود الإنسان إلى ما أحب أن أسميه بالحوار الوسواسي، وهي دعوة حقيقية لأن يتمكن الوسواس من الإنسان.
هنالك أيضا علاج دوائي، والأفكار الوسواسية تستجيب للعلاج الدوائي بصورة ممتازة جدا، وحقيقة أنا استغربت بعض الشيء أنك قد ذهبت إلى الطبيب النفسي ولكن لم يحصل تحسن؛ لذلك اذهبي مرة أخرى وتناولي الدواء، وطبقي الإرشادات السلوكية التي يعطيها لك الطبيب وما ذكرته لك، وفي نفس الوقت طبقي بعض تمارين الاسترخاء؛ هذا يفيدك كثيرا، وأحسني إدارة وقتك، واصرفي انتباهك تماما عن هذه الوساوس، وقطعا سوف تزول عنك بإذن الله تعالى.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.