السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الحبيب أنا تخرجت من كلية الهندسة ولم أعمل بها -ولله الحمد-، وقررت أن أهب حياتي لله لأنني أعتقد أن أعظم ما ميز جيل الصحابة هو التضحية من أجل الدين، فجعلت رزقي من العمل في مركز قرآني -لقلة الوقت وكونه خدمة للدين-، وباقي الوقت في طلب العلم وحضور الدروس.
لكن أهلي يرفضون ذلك للضائقة الاقتصاية وقلة الراتب، ويخوفوني من الفقر وعدم الزواج، وأحاديث أن تترك ورثتك أغنياء خير من تركهم عالة، ونحو ذلك من الأمور، فهل تصرفي هذا صحيح أم هو سفه، وإن كان صحيحا فكيف أثبت على الطريق، وما المعينات على ذلك؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
مرحبا بك في موقعك، ونشكر لك الرغبة في الخير.
أنت مشكور في فكرة أن تهب حياتك لله، ولكن ذلك لا يعني أن تترك العمل وتختار الأقل، والإسلام دعوة إلى علو الهمة ورسالة الصحابة لم تمنعهم من التفاعل مع الحياة في كل ميادينها، وهم الذين فهموا وطبقوا قول الله: (قل أن صلاتي ونسكي ومحيايي ومماتي لله رب العالمين)، فكان منهم التجار والأمراء والشعراء والأغنياء، من أمثال ابن عوف، وطلحة، والصديق، وابن عفان وغيرهم وغيرهم.
ابن عفان كان رجل القرآن وأحد الخلفاء، وأحد أكبر الأغنياء فلا تعارض بين الذي تريده وما يريده أهلك، ولن يصعب عليك التوفيق بين رغبتك في العلم الشرعي والقرآن وبين العمل وممارسة الحياة ومثل هذه النماذج موجودة في كل بلد ومكان.
أرجو أن تعلم أن السعي والكسب مطلوب قال (فاشواق مباركها)، وقال سبحانه: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله)، والضابط في كل ذلك (واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)، وقد صدق وأحسن من قال: من أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وما، وما أقبح الكفر والإفلاس بالرجل.
نحن لا نستطيع أن تقول تصرفك فيه سفه بل أنت راغب في الخير، ولكننا ندعوك إلى مزيد من الخير والحرص، ولا يخفى على أمثالك أن مساعدة الأهل والإنفاق عليهم من الأبواب العظيمة للفوز بالأجر، خاصة إذا كانوا والدين أو إخوة بحاجة لك، وعندما تشاهد الصحابة شاب مفتول العضلات يمتلىء قوة وقالوا ما أحسن هذا لو كان في سبيل الله، قال لهم: وما تعدون سبيل الله، ثم قال: إن كان يسعى ليعف نفسه فهو في سبيل الله.
هذه وصيتنا لك بتقوى الله ثم بالاستمرار في تعليم القرآن، مع ضرورة البحث عن عمل شريف يجلب لك الأموال التي تغنيك عن السؤال، ورفع الحاجة عن أسرتك، ونحن علينا أن نبذل الأسباب ونسعى والرزاق هو الله سبحانه.
نكرر الترحيب بك، ونسأل الله أن يوفقك.