السؤال
السلام عليكم.
عمري 21 سنة، أعاني من التعب النفسي منذ أكثر من شهرين، أفكر في كل شيء، في رمضان الماضي أصابتني نوبة هلع، وإحساس بالموت، وصاحبها أعراض جسمانية كثيرة جدا، وزاد خوفي سماعي لأخبار موت كثيرة.
بعد شهرين الموضوع تكرر بصورة شبه يومية، غير أني أنام بصعوبة، وقد أستيقظ من نومي بسبب الخوف، وغير فكرة الموت نفسها أنني لست مستعدة لها أبدا، وبقيت أفكر في القبر، وأنني سأبقى لوحدي، وخائفة من العذاب.
الموضوع تطور بالتفكير فيما بعد الموت، والمصير والحساب والعقاب وهل سأدخل الجنة أم النار، وبعدها أصبحت أشك في كل شيء تقريبا، وبقيت مستغربة وغير مستوعبة فكرة الوجود والدنيا، وأسأل نفسي لماذا هذا كله؟ وأفكار كثيرة معظمها خاصة بالدين.
لا أعرف كيف أتخلص من تلك الأفكار، وأحتاج لأجوبة لها لكي أتعلم وأطمئن، ومؤخرا بقيت في حالة ندم شديدة على كل وقت ضيعته دون أن أفهم ديني وأتعلمه، وعلى الذنوب التي ارتكبتها ولا أعرف كفارتها، وأخشى أن أحمل ذنوب الناس، أو يكون لهم حقوق علي، وقد أكون قد أذنبت ولا أعرف أنها ذنوب!
لا أعرف كيف أشرح كل شيء بالتفصيل، ولا أجد من أجلس معهم من أصحاب العلم والحكمة، فأرجو الإفادة.
مع الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك، وردا على استشارتك أقول:
كل بني آدم مسلمهم وكافرهم يوقنون أنهم سيموتون، وأنه لا يمكن أن يخلد أحد في هذه الحياة الفانية، غير أن المسلمين يؤمنون بأن الله خلقهم من أجل عبادته قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وأن من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار يقول عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)، ولذلك فهم يعبدون الله فيأتمرون بأمره وينتهون بنهيه، ومن عصى فتاب تاب الله عليه.
التفتي لمن حولك من الناس فإذا سألتهم هل يؤمنون بأنهم سيموتون، وأنه يمكن أن يموت الواحد منهم في أي لحظة، لكان جوابهم جميعا (نعم)، فلم لم يكونوا هلعين وفزعين مثل هلعك وفزعك؟!
الخوف من الموت ليست ظاهرة مرضية في الأصل؛ لأنها تدل على مراقبة الله سبحانه، لكن إن زادت عن الحد كما هي حالتك فهي حالة مرضية يقول -عليه الصلاة والسلام-: (أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت)، وعلى المؤمن أن يكون مستعدا للقاء ربه من خلال الاستقامة والتسديد والمقاربة يقول -عليه الصلاة والسلام-: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه).
مبعث هذا الخوف والهلع وساوس شيطانية يريد من خلالها تنغيص حياتك، وقد نجح في ذلك، والذي أوصيك به ألا تصغي لتلك الوساوس، وأن تقطعيها فور ورودها ولا تحاوريها، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، كما أوصيك ألا تجلسي وحدك؛ فالخلوة مبعث لتلك الوساوس؛ لأن الشيطان ينفرد بك ويكثر من وساوسه.
أشغلي أوقاتك بالأعمال النافعة وبتلاوة القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة بانتظام، واجعلي لسانك رطبا من ذكر الله؛ فإن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس وإن غفل وسوس، يقول سيدنا ابن عباس -رضي الله عنهما-: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس).
اجتهدي في تقوية إيمانك من خلال الأعمال الصالحة المتنوعة، فقوة الإيمان تثمر طمأنينة القلب وانشراح الصدر يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
أكثري من الاستغفار بشكل عام من كل الذنوب، والهجي بالدعاء: (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، صغيره وكبيره، علانيته وسره، وعمده وجهله).
لقد تدرج الشيطان معك في وساوسه، فابتدأ بتخويفك من الموت، ثم جعلك تتصورين الموت، ثم خوفك هل أنت من أصحاب الجنة أو النار، ثم صار يشكك في كثير من معتقداتك وأمور دينك، وهذا نتاج طبيعي لمن أصغى لتلك الوساوس وتحاور معها، وجعلها شغله الشاغل.
من الذنوب ما هو حق للمخلوق فكل من استطعت أن ترجعي له حقه فافعلي؛ فذلك من شروط التوبة، وإن لم تقدري فاستسمحي منه، وإن لم تقدري فليس أقل من أن تكثري له من الدعاء.
أكثري من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الإجابة كما بين الأذان والإقامة والثلث الأخير من الليل، والساعة الأخيرة من يوم الجمعة قبل المغرب، ويوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر، وسلي الله من خيري الدنيا والآخرة.
أحسني الظن بالله؛ فإنه قد وعد من أطاعه بالجنة ووعد بأن يتوب على من تاب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
كوني متوكلة على الله في كل أمورك فمن توكل على الله كفاه، ومن استعان به أعانه.
أوصيك بالالتحاق بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم؛ ففيها يتقوى إيمانك، وتجدين الرفيقات الصالحات اللاتي سيكن عونا لك على الطاعة.
آمل أن تطبقي هذه الموجهات التي وجهتك به؛ حتى لا تتفاقم حالتك، وتكوني في هذه الحالة مضطرة للذهاب إلى طبيب نفساني.
نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لك التوفيق.