السؤال
السلام عليكم.
أصبحت أكره عائلتي، يعاملونني بطريقة سيئة، وأمي منذ بداية الصباح حتى النوم تصرخ على أتفه الأسباب، لا يرضيها مهما فعلت لها من إحسان، تتوقع مني أن أكون دائما على أهبة الاستعداد لفعل أي شيء، ولا تراعي أنني أعمل وأتعب، تظن بما أننا في مرحلة الشباب لا نتعب، ويجب أن نعمل من الصباح حتى النوم، وإن اشتكيت بالتعب تنهال علي بالدعاء والصراخ، ولا يحق لي الاعتراض! على سبيل المثال أختي سوف تذهب في رحلة غدا، وفي وقت نومي قرروا أن يطبخوا طبخة تحتاج وقتا طويلا وجلوسا، وأنا أصلا عملي مكتبي، أخبرتهم أنني لا أريد المساعدة فرفضوا، ساعدتهم، ولأنني بقيت غاضبة واشتكيت في النهاية من ألم ظهري انهالت علي بالدعاء والانتقادات، رغم أنني بذلت جهدي، كما أن أختي تتوقع أن نطبخ في نصف الليل، ليس من حقهم طلب هذا العمل في وقت النوم، أقسم بالله لو أنني طلبت ذلك لانهالوا علي بالصراخ والانتقادات.
مشكلة أخرى أنهم لا يسمعون لي، ويقاطعونني في أهم القصص التي أرويها ليرووا قصصهم، يتحدثون بدون فواصل، ولا يتيحون المجال لغيرهم ليبدي رأيه أو يشاركهم الحديث، دائما أتضايق، ويسبب لي هذا الموضوع تعبا نفسيا شديدا، أشعر أنني نكرة، ودائما تقارنني أمي بالفتيات الأخريات وما يفعلونه لأمهاتهم، وتسخر من أحلامي وأهدافي.
أنا إنسانة تحب مساعدة قطط الشوارع، لما يتعرضون له من تعذيب من البشر والجوع وضرب الصغار، والدعس من السيارات وغيرها من أنواع العذاب، وكما تعلمنا من الرسول أن مساعدة الحيوانات فيها أجر عظيم، فأنا أخصص من راتبي جزءا أشتري فيه طعاما لقطط الشوارع، وأنقذ القطط الصغار المحتاجين إلى المساعدة وأوفر لهم بيوتا، أمي وأبي دائما يسخرون مني ويحبطونني بسبب هذا الموضوع، ويعتبرونه تضييعا للمال والوقت.
أؤمن أن كل شخص في حياته يسلك طريقا خاصا في الخير، هناك من يبني المساجد، وهناك من يطعم الفقراء، وهناك من يتبرع للمحتاجين، أنا سلكت طريق مساعدة الحيوانات، أليس هذا عملا أؤجر عليه أيضا؟! أليس في كل كبد رطبة أجر؟! ما دام الإنسان يصلي ولا يؤذي أحدا. ينتقدونني في كل تصرف حتى على أتفه الأشياء!
ساعدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فمرحبا بك وردا على استشارتك أقول:
فوالدتك سبب في وجودك على هذا الكون وحقها عظيم كما قال الله تعالى: (وقضىٰ ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)، وقال تعالى: (وإن جاهداك علىٰ أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ۖ وصاحبهما في الدنيا معروفا)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل: من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك. قيل له ثم من؟ قال: أمك. قيل ثم من؟ قال: أمك. قيل ثم من؟ قال: أبوك.
مهما قدمت لأمك فلن توفيها حقها، فلا تتضجري منها، واجتهدي في إعانتها في أعمال البيت، واحتسبي الأجر عند الله تعالى.
لا تتأففي من تنفيذ ما تأمرك به، بل افعلي ذلك برحابة صدر وبشاشة وجه ولا تشعريها بتضجرك؛ لأن ذلك يؤثر على نفسيتها.
سأدلك على أمر إن طبقته فإنك ستقومين بأعمالك على أكمل وجه وبدون تعبب أو كلل وهو: إذا أتيت فراش نومك فسبحي الله ثلاثا وثلاثين، واحمديه ثلاثا وثلاثين، وكبريه أربعا وثلاثين، هكذا علمنا رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام- فحين أتت إليه ابنته فاطمة تشكو من تعب العمل وطلبت منه خادما قال لها: ألا أخبرك ما هو خير لك منه: تسبحين الله عند منامك ثلاثا وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين، وتكبرين الله أربعا وثلاثين. قال علي بن أبي طالب فما تركتها بعد. قيل: ولا ليلة صفين، قال: ولا ليلة صفين.
صحيح أن الإحسان إلى الحيوان فيه أجر، لكن أن تبقي تبحثين عن القطط وغيرها في الشوارع لتحسني إليها، وتوفري لها المكان الآمن، فهذا ليس هو المطلوب؛ لأنك لو بقيت هكذا ستبقين تدورين في الشوارع من شارع لآخر، وهذا ما لم يفعله أحد لا من الصحابة ولا غيرهم، والمقصود بالإحسان إليها الذي ليس فيه تعب ولا تضييع وقت، وإنما ذلك ما يتم بالمصادفة، أو الإحسان للحيوانات التي تعيش بالقرب منا، وأذكرك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق تلك المرأة التي حبست الهرة حين قال: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)، فعذابها لم يكن لأنها لم توفر لها المسكن وتحافظ عليها، وإنما لأنها حبستها ولم تتركها تذهب لتبحث عن رزقها، فالله سبحانه هو المتكفل بأرزاق جميع عباده.
أنصحك ألا تواصلي هذا العمل وإنما أحسني للحيوانات التي هي قريب منك، وذلك بإعطائها الطعام والماء بدون تنطع في تلك العناية بحيث تجعلينها كالآدمي، واتركيها تبحث لنفسها عن مأوى.
الحيوانات لا تريد منا أن نخصص لها جزءا من رواتبنا، وإنما نطعمها مما زاد من أطعمتنا، ولا ينبغي أن نقلد الغرب بشراء الأطعمة الخاصة بالحيوانات، فأولئك أناس قد فسدت فطرهم فهم يهتمون بالحيوان ويقتلون الإنسان.
اتركي كل الأعمال التي ترين أن أهلك يسخرون منها، أو تجعلهم يسخرون منك بسببها وترفعي عنها.
اقتربي من والديك واطلبي نصحهم وتوجيههم؛ فهم قد اكتسبوا خبرة من الحياة ويريدون لك الخير، ولن تجدي من يريد لك الخير مثلهم وتوددي لهم بالكلام والخدمة، واطلبي منهم الدعاء.
اجتهدي في تقوية إيمانك من خلال الإكثار من العمل الصالح، فبالإيمان والعمل الصالح تستجلبين الحياة السعيدة كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
أكثري من تلاوة القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
نسعد بتواصلك. ونسأل الله تعالى لك التوفيق.