زوجتي سليطة اللسان وبها جفاء شديد نحوي، فهل أطلقها؟

0 33

السؤال

السلام عليكم

أنا متزوج من ابنة عمي منذ ثلاث سنوات؛ ورزقت منها بولد، منذ بداية الزواج كانت تعاندني، وتزعل لأتفه الأسباب، وطلبت الطلاق في أول أسبوع، حاولت إرضاءها وردها لصوابها، واستمرت علاقتنا بين جزر ومد، دائما نختلف وتقف في وجهي وترد علي حتى لو كنت غاضبا، ودائما يكون ردها شديد اللهجة؛ بحجة أنها صريحة ولا تجامل، ولكنها صريحة ووقحة في الوقت ذاته، وأكثر من مرة تخرج من البيت دون استئذان.

وذات مرة ذهبت لبيت أبيها ولم يصلح بيننا أحد لمدة شهر، ولم أذهب لبيت عمي بحجة أنني لن أتنازل لها، وكما خرجت تعود، لم يستدعني عمي بحجة أنه أكبر مني، ولن يتنازل لي، فذهبت وأرجعتها، وفي الفترة التي كانت في بيت أبيها تقدمت للتوظيف وتوظفت، وكان بيننا كلام من قبل أنني لا أمانع توظيفها كمعلمة في منطقتنا.

وحدث بعدها توتر في العلاقة، وسألتها إذا طلبت منك ترك الوظيفة هل توافقين؟ وكان الرد الصريح الوقح: لا! سأذهب لبيت أبي ولن أترك الوظيفة؛ فهي مستعدة للطلاق، ولكن أنا لي حسابات من أجل عمي وولدي وخالتي، أما هي فقد انتهت عندي، ولا تمثل لي أي شيء.

أهم صفاتها السيئة أنها لا تتودد لي، ولا تتقرب مني حتى في الفراش، وفيها من الجفاء ما الله به عليم، وتخرج من بيت أبيها وتذهب معهم بحجة أنها اتصلت بي لتستأذن وأنا لم أرد، وتعتبر نفسها أدت ما عليها، وبالتالي تخرج؛ تعبت منها ولا أطيقها، ولا أطيق كلامها، وأنام بعيدا عنها منذ مدة، ولا أحس أنني فقدت شيئا، فهل أطلقها؟

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو سالم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:

يتسبب التسرع في الزواج دون البحث عن صفات شريكة الحياة بكثير من المشاكل، وما تعانيه من زوجتك هو ناتج عن التسرع، ولو أنك تأنيت قليلا ونظرت في صفاتها وصفات أسرتها لتغيرت نظرتك إليها.

لقد حثنا الشرع على اختيار ذات الدين والخلق فقال -عليه الصلاة والسلام-: (تنكح المرأة لأربع لدينها وجمالها ومالها وحسبها فاظفر بذات الدين تربت يداك)، ومعنى تربت يداك التصقت بالتراب، فلا خير في زوجة لا دين لها، ولا بركة فيمن كانت سبب فقر زوجها.

أوصيك أن تهدئ من التصعيد فيما بينك وبين زوجتك، وأن تغض الطرف قليلا وتحاول أن تكسبها إلى صفك من خلال الكلمة العاطفية، والهدية الرمزية؛ فهي تعمل في القلوب عملها كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (تهادوا تحابوا).

لعل زوجتك تربت على نفس الصفات التي هي عليها الآن، واكتسبت من أسرتها تلك الصفات؛ ولذلك فهي تتعامل معك وفقها، وتريد أن تفرض سيطرتها عليك، والدليل على ذلك والدها لم يقم بحل الإشكال الذي بينكما، أو حتى يتفهم ما الذي حصل، ولعله اكتفى -والله أعلم- بالسماع من ابنته أو زوجته.

خذ بيد زوجتك واخرجا لتناول وجبة العشاء في مطعم، وتجاذب معها أطراف الحديث، وبث ما في قلبك نحوها ولو تكلفا، فلعلك تجد منها لينا واقترابا، خذها في نزهة في يوم عطلة وهيئ الأجواء المناسبة لذلك، وابذل جهدك في إسعادها في ذلك اليوم.

احذر من جفاف المشاعر، فالمرأة تريد الكلمة الطيبة فضلا عن الكلام العاطفي الذي يملأ صدرها انشراحا، ويشعرها بمكانتها عند زوجها، وهو عندها أهم من العلاقة الحميمية كونه المقدمة لها.

اجتهد في تقوية إيمانها من خلال حثها على العمل الصالح ومشاركتها بذلك وترغيبها فيه، فقوة الإيمان يجعلها تلين وتسمع وتطيع لزوجها، ولا بد أن يكون بينكما تدارس للتعرف على الحقوق والواجبات لكل من الزوجين، وذلك من خلال الكتب المختصة بهذا الجانب، فكثير من الأزواج لا يدركون ما لهم وما عليهم، ومن هنا تنشأ الندية بينهما وينتج عنها الكثير من المشاكل.

أكثر من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة، وسل الله تعالى أن يصلح لك زوجتك وأن يلهمها الرشد، ولا تنقطع عن الدعاء ولا تيأس، فمن أكثر طرق الباب أوشك أن يفتح له، وأكثر من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه الصلاة والسلام- فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك)، واستغل الوسائل المتاحة كبرامج التواصل الاجتماعي، وابعث لزوجتك الرسائل العاطفية والتوجيهية والمقاطع المؤثرة التي تصب في إصلاح حالها، مع تسليط النساء الصالحات عليها من خلال مصادقتها وزيارتها، والاجتهاد في إصلاحها دون أن تشعر أنك من طلب منهن ذلك.

لا بد أن تؤسس لمبدأ الحوار البناء فيما بينكما، ولا بد من التمهيد المناسب لحل أي إشكال يطرأ، ولا تعالج القضايا في وقتها، بل لا بد أن تنتظر حتى يذهب الغضب وعاصفته؛ فإن معالجة الإشكال في حينه يزيده تعقيدا؛ لأن كل طرف يريد أن ينتصر لنفسه، والنفس إن لم تكن متهيئة للإنصات لا تقبل الكلام، وليس بالضرورة أن تقررها بخطئها، وعليك أن تغير أساليب معالجتها، فتارة يكون وكأنك تستشيرها عن كيفية معالجة خطأ ما نشأ بين زوجين وتعالجها، وتضع الحلول المناسبة وستدرك هي خطأها بنفسها، ولا بأس من مراجعتها كأن تقول فإن قلنا لهم افعلوا كذا فهل هو صواب أم لا، كأنك تجعلها في مقام المستشار وأنت المستشير.

الطلاق لا يكون حلا إلا بعد بذل كل الأساليب لإصلاحها؛ ولذلك فاجتهد فيما وجهتك به، ولا تعول على أهلها لا من قريب ولا من بعيد؛ فإذا كانوا لم يهتموا في فترة بقائها عندهم طيلة تلك المدة؛ فالذي يظهر أنهم تاركون لها الحبل على الغارب، وعليك أن تستعين بالله ولا تعجز، وعليك أن تكتشف صفاتها فزوجتك ليست سيئة مئة بالمئة، فاستثمر ما عندها من الصفات الكامنة، فوراء كل شر خير، ووراء كل صفة ذميمة صفات حسنة.

قد تبدو زوجتك سيئة من خلال ما ظهر لك من الصفات حتى صرت لا تطيقها، ولكن عسى أن يكون وراء ذلك خير كثير وأنت لا تدري، قال تعالى:(وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

أوصيك بالصبر على زوجتك، فلعل الله يجعل فيها خيرا، وترى بعد الضيق فرجا، -قال تعالى-: (وعاشروهن بالمعروف ۚ فإن كرهتموهن فعسىٰ أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)، ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ).

اجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح؛ فبالإيمان والعمل الصالح توهب الحياة الطيبة، -يقول تعالى-: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

عليك بالتوبة النصوح من كل ذنب ظاهر أو خفي، فكثير من المصائب التي تحل بنا يكون سببها ذنوبنا، -يقول تعالى-: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، وفي الحديث: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)، والسعادة في الحياة الزوجية نوع من الرزق، بل المرأة الصالحة من أفضل أنواع الرزق، يقول الحسن البصري: والله إني لأعلم ذنبي في خلق زوجتي وفي خلق دابتي.

احذر من التسرع في اتخاذ أي قرار، فقد تندم على ذلك ولات ساعة مندم، وعليك دائما بالاستشارة والاستخارة، فما خاب من استخار ولا ندم من استشار.

لا بأس من بقائها في وظيفتها؛ فذلك سيقضي على كثير من فراغها، ولعله كذلك يشغلها في البيت في تحضير الدروس والتصحيح، وأنصحك أن تقوم بإعانتها في ذلك، وخاصة في جانب تحضير الدروس، وإعطائها الأفكار المناسبة.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات