السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرا على موقعكم المفيد.
أنا شاب سوري أعيش مع أهلي في تركيا منذ سنوات، أدرس في جامعة تقع في مدينة غير المدينة التي يسكن فيها أهلي وأصدقائي، ومنذ أن بدأت الدراسة فيها وأنا أعاني من ضيق شديد، لا أعرف سببه، ينغص علي عيشي ويؤرق نومي، علما أني ملتزم منذ صغري، والآن أحاول تحصيل العلم الشرعي بكافة الوسائل المتاحة، وأسأل الله الثبات.
كنت مرتاحا في حياتي رغم كل ما تعرضت له من ضغوطات كبيرة كفقدان أبي وأخي ووطني، لكني كنت سريعا ما أعود لطبيعتي، ولكن منذ أن خرجت وتركت أهلي وأصدقائي وذهبت للدراسة وأنا شاحب الوجه، متضايق، أشعر باختناق، تأتيني نوبات أبكي فيها لوحدي وأكلم نفسي، ولا أستطيع النوم بسبب الكوابيس، وتراجعت دراستي كثيرا.
علما أنني أتردد على أهلي بين الحين والآخر، ولكن عندما أعود لمكان دراستي سرعان ما أعود للشعور بالضيق والحزن، ومنذ أن دخلت هذه المدينة وأنا حزين مهموم، لقد تعبت، علما أنها أول مرة أغترب عن أهلي، كذلك عندما أرى الانحطاط الأخلاقي وضياع الدين بين الطلاب في الجامعة أشعر أن مكاني ليس هنا، وأشعر بغربة شديدة، ولكني لم أعد أستطيع الرجوع، وأعيش هنا في سكن الطلاب ولم أكن اعتدت هذا من قبل، فما نصيحتكم لي؟ لماذا يحدث معي هذا منذ أن بدأت في الدراسة في هذه المدينة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك – أخي العزيز – وأهلا وسهلا ومرحبا بك في الموقع، وأسأل الله تعالى أن يرزقك الصبر وعظيم الثواب والأجر وأن يفرج همك ويكشف غمك وييسر أمرك ويحقق في الخير أملك ويجمع شملك وعائلتك الكريمة.
لا شك أن اجتماع بلايا الغربة عن الأهل وموت الأحباب والأقارب والعيش والبيئة منحرفة أخلاقيا، لا شك أن ذلك من أعظم البلاء، فأسأل الله أن يجعل لك من أمرك فرجا ومخرجا ويمن عليك بقوة الصبر.
أوصيك – حفظك الله وعافاك – بالحرص على تعميق الإيمان بلزوم طلب العلم والعمل الصالح والذكر والصحبة الطيبة وقراءةالقرآن، حيث ثبت بدليل الشرع والحس والواقع أنها السبيل لتحصيل السعادة والراحة والاطمئنان وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان، ويظهر من خلال سؤالك مدى ما أكرمك الله به من استقامة والتزام خففا عنك حدة مشاعر الهموم والأحزان (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
لذا أوصيك بالثبات على ما أنت عليه من خير، والبعد عن أسباب الفتن والشهوات المحرمات من وسائل الإعلام والتواصل والصحبة السيئة المعمقة لزيادة المتاعب النفسية، وسبيل ذلك ضرورة لزوم الصحبة الطيبة الصالحة التي تذكرك إذا نسيت وتعلمك إذا جهلت وتنبهك إذا غفلت، وتقدم المشورة النافعة.
كما وأوصيك بالانشغال بالاجتهاد في دراستك، والحرص على التميز فيها لنفع نفسك ومجتمعك، وقطع الطريق على الفراغ المفضي إلى زيادة الهموم.
وأما مشاعر الضيق والألم الناتجة عن وفاة الأقارب، فمما يسهم في تخفيف حدتها استحضار أنهم – بإذن الله – شهداء عند ربهم يرزقون، واستحضار فريضة الإيمان بالقدر والرضا بالقضاء وفضل الصبر على البلاء، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل، فعليهم رحمة الله أجمعين.
كما وأوصيك بالتخفيف عن الضغوط النفسية بترويح النفس بما يسرها من المباحات، كالتنزه وزيارة الأهل والأصدقاء واختيار التخصص الدراسي الذي يتناسب وميولك وقدراتك.
المبادرة إلى الزواج ما أمكن، فقد نص القرآن أن الزوجة الصالحة سبيل إلى تحصيل السكن النفسي والمودة والرحمة، واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).
لا بأس عند الضرورة واللزوم من مراجعة الطبيب النفسي لتقديم العلاج السلوكي والدوائي الممكن، وقد صح في الحديث: (تداووا عباد الله فإن الله ما أنزل داء إلا جعل له دواء).
وتذكر – أخي العزيز – أن هذه المتاعب وقتية وآنية مهما طالت، وسرعان ما ستزول مع مرور الوقت، فاحتسب أجر انتظار الفرج والصبر عند ربك سبحانه.
أسأل الله أن يرزقك الصبر والثبات وقوة الإرادة والعزيمة وحسن الظن بالله والتوكل عليه وتقواه والاستعانة به (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه).