السؤال
السلام عليكم.
أثابكم الله أريد حلا، أنا أحب والدتي، وأحب عائلتي، وأمي كذلك تحبني، لكني مختلفة عنهم، فأمي وأختي متفقتان في الآراء والتفكير والتصرفات، فأقع في فخ انتقاداتهم اللاذعة وتنمرهم، هم لا يتقبلون الاختلاف، ويأخذونه باستهزاء، حتى صرت أعاني من صغري من قلة الثقة بالنفس، وعندما كنت طفلة كنت أتجنب الحديث؛ لأني كنت معتقدة أني غبية كما يصفونني، والدي شخصيته صارمة، وطبعه لا يحبه أحد، فدائما تصفني أنني نسخة منه، وأنا كنت أصدق وأكره نفسي حينذاك.
المشكلة أيضا تكمن عندما نختلف أنا وأختي التي تكبرني بسنة ونصف، أنا لا أحبها، وهي كذلك؛ ولأنها تشبه أمي، فدائما أمي تنصفها، أكره نفسي حينذاك وأشعر بالوحدة والتعاسة، حتى إن شتمتني أختي تقول لي أمي لا كرامة بين الأخوات، دائما انتقادات لاذعة، تصفني بأبشع الصفات، كالغباء، والصرامة، والقسوة، وأنا والله لست كذلك.
تعبت!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شهد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الكريمة-، وردا على استشارتك أقول:
سلوكيات الإنسان منها ما يكون مجبولا عليها، كما قال عليه الصلاة والسلام في أشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم، والأناة)، قال نشأت عليهما أو جبلت عليهما، قال: (بل جبلت عليهما)، فقال: الحمد لله الذي جبلني على الخير)، ومنها ما يكتسبها من الآخرين، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)، ويقول: (إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم)، ومع هذا فيمكن للإنسان أن يغير من طباعه وصفاته من خلال الممارسة عليها، ودعاء الله سبحانه أن يعينه ويوفقه لاكتسابها.
الناس بطبيعتهم تختلف صفاتهم، فمنهم الصبور، ومنهم شديد الغضب، منهم الكريم، ومنهم البخيل، ومنهم العاطفي، ومنهم الجلف الفض الغليظ، ولذلك إن لم يجتهدوا هم في إصلاح أنفسهم وإن عجز مخالطهم عن إصلاحهم فالواجب التعامل معهم بالحسنى؛ لأنه لا يمكن إجبارهم على الصفات الحميدة التي عند الآخرين، فيتعامل معهم الشخص بموجب أخلاقه لا بأخلاقهم، ولنا في رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، فعن عائشة -رضي الله عنها-: أنها قالت: "استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام)، قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام، قال: (أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس -أو ودعه الناس- اتقاء فحشه).
هذه والدتك وتلك أختك فعليك أن تتعاملي معهن بلطف وتليني لهما جانبك، وخاصة أمك التي كانت سببا في وجودك، يقول ربنا سبحانه: (وقولوا للناس حسنا)، وقال: (ادفع بالتي هي أحسن)، وقال: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)، وقال: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)، وقال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا).
أوصيك بالصبر وألا تتصرفي أي تصرف في حال الغضب، فالصبر خلق عظيم، يقول عليه الصلاة والسلام: (... وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)، ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات؟"، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: "تحلم عن من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك".
أوصيك بالتأني وعدم العجلة، ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول (التأني من الله والعجلة من الشيطان).
عليك أن تنظري فيما تنتقدك والدتك، وعليك أن تقومي بتقييم نفسك، فإن كان الكلام الذي تقوله حقا فعليك أن تصلحي من نفسك، وإن كان خطأ فلن يضرك كلامها، واحذري من أن تزكي نفسك أو تعتقدي أنك كاملة الصفات، فالنقص دائما ملازم للإنسان، وليكن شعارك دائما (رحم الله امرئا أهدى إلي عيوبي).
أوصيك أن تقتربي من والدتك أكثر وأن تعينيها في أعمال البيت، واخفضي لها جناح الذل من الرحمة، كما أمر الله بذلك فقال: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى أن يؤلف بين قلوبكم، وأن يلهم والدتك الرشد ويوفقها لاكتساب الصفات الحسنة، وأن يوفقك لبرها وإصلاح نفسك.
هذا التنافر مدخل من مداخل الشيطان الرجيم يريد أن يوقع العداوة والبغضاء بينكم، وعليكم جميعا أن تسدوا هذا الباب وأن تقطعوا الطريق على الشيطان الرجيم.
أوصيكم بأن تكون لكم حلقة علمية في البيت تقرؤون فيها القرآن الكريم مع تفسير ميسر له، مع قراءة بعض الأحاديث من كتاب رياض الصالحين بشرح العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- فبهذه الطريقة يمكن أن تكتسبوا الكثير من السلوكيات الحسنة من خلال الاقتداء بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتنفيذ توجيهاته.
الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الكروب، ففي الحديث (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
اجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فالحياة الطيبة لا توهب للإنسان إلا بذلك، كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبكم، وأن يصلح شأنكم، وأن يجعل حياتكم عامرة بذكره، إنه سميع مجيب.