هل النعاس وعدم التركيز عند قراءة سورة البقرة دليل على الحسد؟

0 46

السؤال

السلام عليكم.

أقرأ سورة البقرة يوميا، في البداية كنت أشعر بالنعاس، ولكني أستمر بالقراءة ولكن دون تركيز في الآيات، فأنا مواظبة عليها يوميا.

حالي واقف تماما، تخرجت منذ ١٠ سنوات وإلى الآن ليس لدي رغبة في الوظيفة، حاولت ٣ مرات أن ألتحق بالماجستير ولم أستطع، وكل ما حاولت أن أخطو خطوة في مشواري المهني لا تكمل وتفشل قبل بدئها، فهل النعاس وعدم التركيز عند قراءة سورة البقرة دليل على أي مرض روحي كالحسد مثلا وهو السبب في أنني لا أستطيع أن أفعل شيئا لمستقبلي؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ أم باسل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
عليك أن توقني أن كل شيء في هذه الحياة يسير وفق قضاء الله وقدره لا يتخلف عن ذلك شيء، قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له اكتب، قال وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.

الإيمان بالقدر يريح القلب ويشرح الصدر، ولا يجعل العبد مكبلا بأوهام قد لا تكون موجودة في الواقع، فمسألة الحسد والسحر والعين من الأمور الغيبية التي لا يمكن الجزم بها بحال من الأحوال ،مع أننا نؤمن بوقوع كل ذلك لثبوت النصوص الشرعية بهذا الخصوص.
على العبد أن يعمل بالأسباب التي توصله إلى مراده وألا يقعد ويتوانى حصول المعجزات، فمن أراد أن ينال درجة معينة سعى إليها وعمل بالأسباب يقول ربنا سبحانه وتعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) فأمرنا بأن نعمل بالأسباب، وأن نسعى في الأرض لكسب الرزق.

تأملي معي كيف أنه سبحانه وتعالى أمر مريم عليها السلام وهي في حال الضعف الشديد بعد الولادة بعيسى عليه السلام أن تعمل بالسبب من أجل نيل الرزق وهي بجوار النخلة المليئة بالرطب فقال سبحانه: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا )، فما عسى قوة مريم بعد الولادة أن تفعل، وهل تستطيع أن تهز النخلة وهي في كامل صحتها فضلا عن ضعفها وتألمها بعد الولادة، ولكنه العمل بالسبب!

انظري كيف هدى الله الطير للعمل بالسبب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا).

على العبد أن يراجع نفسه ويحاسبها حسابا دقيقا؛ لأن العبد قد يتسبب على نفسه في حلول البلايا وذلك بسبب ذنوبه ومخالفته لأمر الله وقد يكون ذلك في حال غفلة، يقول سبحانه: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)، فأوصيك بالجلوس مع نفسك، وتذكر الأيام التي مرت بك فلعل ذنبا حصل منك ولم تتوبي إلى الله منه يكون هو السبب في ما أنت فيه، وأنا هنا لا أتهمك بشيء، ولكن ما منا إلا وله ذنوب، فإن وجدت شيئا بادرت بالتوبة والاستغفار، واعلمي أنه ما حل بالعبد من بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.

الحياة الطيبة لا توهب للعبد إلا إن اتصف بالإيمان وعمل العمل الصالح، وكلما قوي إيمان العبد وأكثر من العمل الصالح صارت حياته أفضل، يقول ربنا جل في علاه: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، فأوصيك بالاجتهاد في تقوية إيمانك من خلال الإكثار من العمل الصالح.

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الاستجابة، وسلي الله تعالى أن ييسر لك ما تودين فعله وأن يعينك عليه، واعلمي أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد كما صح في الحديث، وأكثري من دعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

الشعور بالنعاس، وعدم التركيز أثناء تلاوة القرآن الكريم قد يكون أمرا طبيعيا وليس له علاقة بما تخشينه، ومع هذا فأوصيك بالاستمرار بالتلاوة ولا تستسلمي للوسواس أبدا، ويمكنك أن تعرضي نفسك على راق أمين وثقة من أجل استكشاف ما إذا كنت مصابة بحسد مثلا على أن تكون الرقية بحضرة أحد محارمك.

الإنسان في هذه الحياة لا يكون على وتيرة واحدة في حياته، بل هو متقلب بين النشاط والجد والعمل وبين الكسل والفتور والتقصير، ويتفاوت ذلك من شخص لآخر ومن وقت لآخر، وقد أرشدنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلى استغلال أوقات النشاط، وإقبال النفس على العمل بجد ونشاط، ونبقي العمل مستمرا ولو بأدنى مستوى في حال الفتور والكسل يقول صلى الله عليه وسلم: (إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك).

أي مشروع يحتاج منا للخطوة الأولى وقد تكون هذه الخطوة ثقيلة في البداية تماما كما تدور العجلة في بداية عملها، تبدأ ببطء ثم لا تلبث أن تسير بسرعة عالية، وعليك أن تربي أوقاتك ترتيبا صحيحا، واحذري من الإغراق في الجزئيات فإنها تستهلك الأوقات وتفني الأعمار.

احذري من الرسائل السلبية التي تصدر منك سواء منها المنطوق أو التي تدور في الذهن، فإن لتلك الرسائل آثارا وخيمة؛ لأن العقل يستقبلها ويتفاعل معها ويصدر أوامره لبقية الأعضاء بالتفاعل معها، ومن هنا يكبل الإنسان نفسه بنفسه، ولذا فعليك أن تعطي نفسك الرسائل الإيجابية أنك قادرة على فعل كذا وكذا، وهذا بالطبع بعد الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه.

لا تستصعبي أي أمر من الأمور، ولا تقفي عند أول عرقلة أو عقبة تعترضك، بل عليك أن تغيري الأسلوب والطريق، فالطريق المجرب والذي أوصلك إلى حائط وسد لا تسلكيه أبدا مرة أخرى، ألا ترين كيف أن السيل والنهر إذا اعترضته عقبة غير مجراه كي يصل إلى منتهاه بإذن الله، فكوني كالسيل أو كالنهر في الجريان، بل إن السيل أحيانا يهدم السد لشدة اندفاعه، وهذا بالطبع بعد الاستعانة بالله سبحانه.

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات