السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
رفع الله درجتكم.
حدث مرة أن قال أحد ممن في المنزل لوالدتي: هل تعرفين فلانا؟ هو يقصد التحدث عن ذاك الشخص، علما أن ذهاب والدتي إلى ذلك الشخص كان لمصلحة وفي حدود الشرع، عندما سألها هذا السؤال شعرت أنا بشيء في داخلي، لأنه عندما قال كلمة (تعرفين) أشعرني أن أمي وذاك الشخص متعارفان كأنهما أصدقاء! فهل هذا من الغيرة المفرطة؟
على ما يبدو أن فلانا وصلت به الغيرة إلى حد الإفراط، ولماذا تصل إلى هذا الحد؟! فلان وصلت به الغيرة إلى حد الإفراط، وآخر لم تصل به الغيرة إلى حد الإفراط، أيهما أكثر غيرة في الحالتين؟ قبل الوصول إلى حد الإفراط لصاحب الغيرة المفرطة، وبعد الوصول إلى حد الإفراط؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
الأصل في الغيرة أنها محمودة، ولا خير في إنسان ليس لديه غيرة، لكن الغيرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- غيرة شديدة.
- غيرة معتدلة.
- غيرة باردة.
فالغيرة الشديدة مضرة بصاحبها، والغيرة الباردة دليل على موت ضمير صاحبها، والغيرة المعتدلة ممدوح صاحبها.
ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أتعجبون من غيرة سعد! لأنا أغير منه، والله أغير مني. وفي رواية لمسلم: (والله أغير مني من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن).
الغيرة المفرطة هي أن يخرج الإنسان عن طور الاعتدال فيفعل أشياء غير مطلوبة منه شرعا، بل قد تكون منافية للشرع، سواء كان ذلك وهو يدرك ما يفعل أو لا يدرك ذلك، والغيرة المعتدلة هي التي تجعل صاحبها يغضب ويتأثر لكن تصرفاته تكون معتدلة لا تتجاوز الحد الشرعي، وأما الغيرة الباردة فصاحبها لا يحرك ساكنا إن رأى المنكر من أهله أو غيرهم، فعنده الأمور كلها سواء ارتكبت المعاصي أم لا.
من هذا التقسيم اتضح أن القسم الأول أكثر غيرة من الثاني، وأما الثالث فلا غيرة عنده، ولا شك أن خير الأمور أوسطها.
السبب في هذه الغيرة هو حرص الإنسان على أهله وعرضه ومحارمه وصيانته لهم من ارتكاب الآثام وسوء الأخلاق.
يمكن أن تعدل غيرة الإنسان من الإفراط والبرود إلى التوسط، وذلك من خلال تحفيز النفس وتدريبها على كره وبغض المعاصي وسوء الأخلاق والتوعية بأن صاحب الغيرة الباردة يمقته الناس ويحتقرونه، وإلزام النفس بالمنهاج الشرعي في التعامل مع من يرتكب شيئا من المخالفات، وأن يكون المرء وقافا عند حدود الله سبحانه، وأن تجاوز الحدود الشرعية ممقوت شرعا، فمثلا بعض الناس قد يسرق ولده فيقوم بقتله مباشرة دون أن يعرف السبب الذي دفعه للسرقة، فقد يكون شرعا لا يستحق أي عقوبة وأعلى حد للسرقة إن توفرت الشروط وانتفت الموانع أن تقطع يده السارق لا أن يقتل، ثم إن الذي ينفذ الحدود هو الحاكم فقط ولو تركت للناس لسادت الفوضى والقتل بين الناس لأتفه الأسباب.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.