السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أختكم في الله متزوجة منذ 6 سنوات، ولدي 3 أطفال، وعمري 23 سنة، لدي مشكلة أعاني منها مع زوجي الأمرين منذ 4 سنوات تقريبا!
زوجي من الرجال الذين يرغبون بالتعدد، وقد يقول أمامي كلاما يحرق قلبي، مثل فتن بالشارع أو متبرجات يتفنن بالتبرج، وأنا منذ خطبني شرطت عليه أنه إن كان يرغب بالتعدد ان لا يظلمني، وقلت له أني لن أسامحك أمام الله، لكنه خدعني! مع العلم نحن في بلد لا يوجد فيه تعدد حتى في أجدادنا.
أنا مقتنعة بتعدد الزوجات أنه مباح وشرعه الله، وما فيه من الحكمة والخير، لكن نفسي لا تطيقه، وكلما حاولت إقناع نفسي بأن أستسلم لرغبته قاربت الجنون! تعبت كثيرا من هذا! أصبت بحالة اكتئاب، وتوتر، ووسواس قهري، حتى أني صدقا أكاد أجن!
ومما يقلقني أن نفسي تزيغ إذا طرح علي ذلك، فقد أعجب برجال آخرين وأتمنى لو أنني أتطلق وأتزوج من غيره، وأنا لا أحب ذلك.
علاقتنا الزوجية كانت رائعة، كلها حب وتفاهم، لكن هذا الموضوع أفسد علينا وجعلني أنفر منه، وأمنيتي هي الطلاق؛ لأني لا أريد أن أمرض أكثر!
هو يعدني كثيرا بأنه لن يفعل بي ذلك، ولكن لم أعد أصدقه أبدا؛ لأنه كثيرا ما قال وعاد ليجرحني بهذا الموضوع.
احتياجي الأساسي من الزوج هو الأمان، وإن غاب الأمان لم أعد أحس أنني متزوجة أصلا. هو لا يقصر أبدا في بقية احتياجاتي.
أنا أتألم جدا من كلامه عن التبرج وتعري النساء، أو رغبته في زوجة أخرى، ومصابة بوسواس قهري لا يفارق عقلي، وأحس أني قد أصاب بالجنون، أحس أن الطلاق هو الحل.
أشيروا علي، وجزاكم الله عني خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبد الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك -أختي العزيزة-، وأهلا وسهلا بك في الموقع، وأسأل الله أن يفرج همك، وييسر أمرك، ويشرح للحق صدرك، ويرزقك الطمأنينة وراحة البال وسعادة الدنيا والآخرة.
أشكر لك رضاك بشرع الله تعالى في حكم تعدد الزوجات، وهي مسألة مفروغ منها مجمع عليها لا يجوز فيها الاعتراض على الشرع بها أو بغيرها مما كانت فيه النصوص صحيحة وصريحة ومحل إجماع قطعي يقيني، (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)(65) سورة النساء، (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)(36) سورة الأحزاب.
ولا بأس عليك -حفظك الله ورعاك- بالشعور بالألم والحزن والغيرة ونحوها، حيث وذلك أمر غريزي فطري طبيعي، وقد كانت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن- يشعرن بالغيرة ولهن في ذلك مواقف مشهورة، لكن كان من جميل خلقه -صلى الله عليه وسلم- التعامل معهن بلطف ورفق ورحمة وحكمة.
من واقعية الشريعة أنه لم يأت الشرع بإلغاء الغرائز ولكن جاء لتهذيبها وتقويمها، مما يجعلنا -وينبغي للزوج أيضا- ضرورة تفهم حزنك وألمك شرعا وعقلا وفطرة وحسا، لكن المرفوض شرعا هو الاعتراض على الشرع أو اتهام الزوج بالظلم لمجرد ذلك وإساءة عشرته وهضم حقوقه.
ومن المهم أن يعلم الأزواج أن الشرع يوجب على الزوج المعدد العدل المادي في النفقة والمبيت، قال تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) (3) النساء.
ولا يجوز للزوج أن يتزوج أو يعدد حتى يملك الباءة، وهي القدرة على الإنفاق، وكذا العشرة الجنسية حتى لا يترتب على الإخلال بهما ظلم للزوجة.
وأما طلبك للانفصال عن الزوج لذلك، فأنصحك أولا بمعرفة أن التعدد مجرد فكرة وكلام، كثيرا ما يكون من الرجال لمجرد الفضفضة كما يقال وكما هو الواقع، ومرادهم حث الزوجة على زيادة التجمل أو الخدمة.
كما أنصحك بلزوم الهدوء، وضبط النفس، والدخول مع زوجك في حوار هادئ منبهة له بواجباته الشرعية بالتي ذكرنا من توفر الباءة والعدل، وكذا تقوى الله تعالى في غض البصر كما هو يطلبه منك أيضا بالعدل والمثل، وهو واجب شرعي وأخلاقي؛ وكثيرا ما يكون سببا للمقارنة الظالمة والنفور من الزوجات، ولا مانع من ترقيق قلبه بلطف ببيان ألمك وحزنك ومحبتك له وشكرك لإيجابياته الكثيرة، واستفهامه عن موضع القصور فيك لضرورة التصحيح للخلل.
لكن من المهم أن تعرفي أن كل ما سبق لا يبرر لك بحال طلب الطلاق والانفصال، وكذا النشوز والخروج من البيت، أو السب له، وسوء الظن به، وإساءة معاملته، وكشف سره وستره، ومخالفة شرع الله تعالى بأي قول أو فعل؛ لأن ذلك من أعظم الظلم الموجب لغضب الرب وحصول الفرقة والكراهية -العياذ بالله-.
وأؤكد لك -ابنتي العزيزة- بأن الشعور بالحزن يتبدد ويزول شيئا فشيئا مع مرور الأيام، شريطة لزومك الثقة بربك ثم بنفسك والدعاء وحسن المعاملة والصبر، كما وسيزداد زوجك محبة لك وتقديرا وشكرا وعطاء، كما هو الواقع، بعكس فيما لو عاملته بالكراهية والإساءة لكانت المعاملة منه لك بالمثل ولو من غير قصد.
وتذكري أنه لم يقصر في حقوقك، ولم يظلمك بنية التعدد، وأن الطلاق خسارة للجميع وللزوجة بصورة أخص.
استحضري أن الحياة طبعت على النكد والكبد والابتلاء، فاحتسبي ثواب الصبر على البلاء والشكر للنعماء والرضا بالشرع والقضاء، واستعيني برب الأرض والسماء، وثقي بأن الله تعالى لن يضيعك، وهو مثيبك بالقناعة والرضا وحسن الجزاء.
أشغلي فراغك بما يعود عليك بالخير والفائدة في دينك ودنياك، واحذري صديقات وجارات وأقارب السوء، وابدئي بالاهتمام بزينتك وجمالك ورائحتك وطعامك وأولادك.
ولا أجمل في تحصيل الثبات والرضا من تعميق الإيمان بلزوم الصبر، والدعاء، والطاعة، والذكر، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والاستغفار، وقراءة القرآن، والصحبة الصالحة العاقلة.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقك الصبر والحلم والحكمة والصواب والهدى والتوفيق والرشاد، ويجمع شملك وزوجك على محبة ورحمة ومودة وأمن وخير، والله الموفق والمستعان.