السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قصتي بدأت منذ حوالي سنة وبضعة شهور، فبعدما مررت بمرحلة ابتعدت فيها عن الدين وبعد وفاة أمي، رأيت حياتي بلا معنى أكل ولهو ونوم، سئمت الوضع، وبعد تأنيب ضمير متواصل طيلة فترة الغفلة، قررت الرجوع لله والتشبت بديني حتى الممات.
تزوجت، عدت للصلاة وكل أنواع الطاعات، وبدأت أبتعد عن كل المحرمات ما استطعت من أغاني وكلام بذيء وإطلاق للبصر.
حصلت لي حلاوة الإيمان وعشت أياما لم أعشها من قبل، لكن سرعان ما بدأ مرض الوسواس في العقيدة يتغلغل بداخلي، ودمر ما دمر، وأفقدني من إيماني ما أفقد، جاهلا خطورته تارة ومستسلما له تارة أخرى، فوالله إني لمكروب، وحاولت كثيرا التخلص منه دون نتيجة، بل ويزداد الأمر سوءا.
وبعد مرور أكثر من سنة على توبتي، أجد نفسي اليوم محافظا على الفرائض والنوافل والأذكار، حتى صلاة الفجر وقيام الليل ولو بركعتين مما كنت أستثقله، أجد نفسي اليوم مواظبا عليه، لكن للأسف دون أدنى طعم للعبادة ولا حلاوة لمناجاتي ولا لطاعاتي ولا راحة لنفسي لا بالليل ولا بالنهار.
الله وحده يعلم ما أقاسيه، أصبحت حياتي كلها تفكير في تفكير، تجدني أجهد نفسي من إثبات ما أنا عليه منتقلا من فيزياء كونية إلى ميكانيك إلى علم كلام ومنطق وإثبات صحة النبوة، كمن يأكل ولا يشبع، بل ويزداد نهمه.
أدرك تماما أن مناقشتي للوساوس خاطئة وتزيدها حدة، لكن لا أعلم ما الحل؟ فحتى التجاهل لم يعد يريحني، أحس أنني غريق أوشك على الهلاك، والله إني أخشى على نفسي وأحتاج من يأخذ بيدي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نضال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
- بارك الله فيك -أخي العزيز- وأهلا وسهلا بك في الموقع، واسأل الله تعالى أن يفرج همك وييسر أمرك ويشرح للطاعة والدعاء صدرك وقلبك ويعافيك من كل سوء ومكروه.
- أهنئك على رجوعك إلى الله وعودتك إلى الصلاة والطاعة وتذوقك لحلاوة الإيمان بعد فترة بعد عن الدين وولوغ في المعاصي، ثبتك الله على الخير وصرف عنك كل سوء ومكروه وشر وضير.. آمين.
- أبارك لك الزواج، جعله الله سعيدا ومباركا وجمع شملك وزوجتك على خير ورزقكما الذرية الصالحة والحياة السعيدة.. آمين.
- أما بصدد ما ابتليت به من وسواس في العقيدة حرمك الشعور بلذة الدعاء والعبادة، فلا يخفاك أن هذا نوع من الابتلاء الذي يحصل لكثير من الناس وأهل الورع المبالغ فيه وللجهل بالحكم الشرعي وضعف الإرادة والعزيمة والثقة.
- ولا شك أن الحل يتلخص في ما دلنا عليه الشرع الحنيف من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كلما اعترضتك هذه الوساوس الشيطانية، قال تعالى : (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) سورة الأعراف، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك بقول :(آمنت بالله ورسوله).
- وقد أمر الشرع الحنيف بالتجاهل وعدم الالتفات لهذه الوساوس؛ كونها مخالفة للشرع والحس والعقل والواقع، إذ مقتضى العلم والفقه عدم الاعتبار بها؛ كونها مجرد أوهام الحقيقة لها ولادليل عليها ، قال تعالى: ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) سورة النجم، مما يستلزم منك الإصرار والحزم والعزم والتصميم على التجاهل والتغافل والإعراض عن هذه الوساوس الشيطانية.
- كما أوصيك بتعميق الإيمان بقراءة كتب العقيدة والوعظ والإعجاز العلمي في القرآن والسنة ونحوها.
- استثمار الوقت والفراغ فيها يعود عليك بالفائدة، وذلك بالحرص على حضور واستماع الخطب والدروس والمحاضرات والبرامج المفيدة والتركيز على حياتك بإيجابية.
- ومن المهم أيضا التخفيف عن الضغوط النفسية بالترويح عن النفس بالنزهة والرياضة وزيارة الاهل والأصدقاء ونحو ذلك.
- كما وأوصيك بضرورة لزوم الذكر والدعاء وقراءة القرآن والصحبة الطيبة.
- ومن المهم أيضا مراجعة الطبيب النفسي المختص لتعاطي العلاج الدوائي والسلوكي، وفي الحديث : (تداووا عباد الله؛ فإن الله ما انزل داء إلا جعل له دواء).
- احذر المبالغة والإفراط في الشعور بالقلق الزائد، واستعن بالله تعالى وتوكل عليه.
- من مقتضى العلم بالله الثقة بسعة رحمته وعفوه وصفحه عن الخطأ والشكوك والوساوس الشيطانية غير المتعمدة وغير المقصودة، قال تعالى :( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) سورة البقرة.
- أؤكد عليك بضرورة اللجوء إلى الله بالدعاء والعزم على التجاهل للوساوس وزيارة الطبيب النفسي وحسن الظن بالله تعالى والثقة به وبعفوه عن الخطأ والمرض.
أسأل الله لك العفو والعافية والسعادة في الدنيا والآخرة.