السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالب سوري في مدرسة تركية، وبعمر 20 عاما، في البكلوريا، أعاني من صعوبة اللغة التركية والتواصل الاجتماعي، أحس بضيق في صدري لأنني لا أعرف كيف أعيش حياتي.
أعاني من بطء الفهم والاستيعاب والتعلم، أحس أن عمري أكبر من تفكيري وقدراتي العقلية، مشكلتي أنني لا أعرف نفسي، سريع اكتساب الأصدقاء وسريع فقدانهم.
أشعر بعدم تقبل الآخرين لي إلا إذا كنت متفوقا، وأي شيء أدخل فيه أشعر بتأثير من يحيط بي بسب انضباطي والتزامي فيه، وكأني من المتفوقين، وعندما تخرج النتيجة تكون أقل مما توقعت، وأخيب أمل من حولي.
لدي مزيج من إرادتي المثالية في أعمالي، أريد أن أكون من الأوائل لكن هذا يبدو لي من المستحيل في الحقيقة، كنت منعزلا حتى عن أهلي لصعوبة الدراسة بالمدرسة التركية، -والحمد لله- اجتزت السنة بنسبة 66 %، لكنني تعبت كثيرا، أنا الطالب السوري الوحيد في صفي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حيدر حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بالفعل -أيها الابن العزيز- فإن التغير المفاجئ، والغير متوقع في حياة أي إنسان قد يترك آثارا نفسية سلبية تشبه ما يحدث في الصدمة النفسية، وبالطبع فإن كل إنسان يتأقلم بطريقته وحسب شخصيته ومهاراته الاجتماعية، فمن الناس من يتأقلم بسرعة وينخرط في حياته الجديدة، ومنهم من يعاني من مشاعر حزن وتوتر وقلق لكنه يتجاوزها بعد فترة ويمضي أيضا في حياته، وهنالك البعض ممن يبقى متأثرا بتلك الصدمة ويبقى أسيرا لمشاعر الحزن والألم والقلق فلا يتمكن من العودة إلى حياته الطبيعية.
يبدو لي بأنك ما زلت تعاني بعض الشيء من هذا التغيير الكبير في حياتك، لكن وبشخصيتك الطموحة أرى بأنك ستتجاوز كل هذه العقبات -إن شاء الله تعالى-.
إن طموحك ومثاليتك هي صفات جميلة، لكن يجب أن تضعها في إطار قدراتك وتوجهاتك، والناس يختلفون جدا في قدراتهم وتوجهاتهم، وليس المطلوب أن تحمل نفسك ما لا طاقة لك به، كما وليس المطلوب أن يكون الجميع من الأوائل في الدراسة، لكن المطلوب هو أن يستغل الإنسان كامل وقته ويبذل ما بوسعه ويستخدم كل قدراته، أي عليه أن يأخذ بكل الأسباب التي تتوافر له ثم بعد ذلك يتوكل على الله -عز وجل-.
عندما يقوم الإنسان بكل ما بوسعه ولا يحقق ما يريد فهنا لن يراوده شعور بالفشل أو الندم، بل سيراوده شعور بالرضا عن نفسه والقبول بها وبما قسمه الله -عز وجل- له، ولعلك تعلم بأن الكثيرون من عظماء التاريخ والعلوم والاكتشافات كانوا أناس عاديون ولم يكونوا من الأوائل في دراستهم، لكنهم أحسنوا استغلال قدراتهم وأوقاتهم، ووجهوها توجيها صحيحا من أجل تحقيق طموحاتهم.
إن شعورك بأن الآخرين لن يقبلوا بك إلا إذا كنت متفوقا ومن الأوائل هو مجرد شعور فقط لكنه ليس حقيقة، فليس كل ما نشعر به يكون صحيحا هذه حقيقة علمية.
أنصحك بأن تسبر أغوار نفسك، وتبحث عما يجلب لك السعادة والرضا من هواية أو طموح واعمل على تطويره، فمثلا إن كنت تحب الرسم أو الكتابة أو القراءة أو الأعمال الخيرية والتطوعية أو غير ذلك، فابحث عما ينمي هذا الأمر ويطوره ليصبح جزءا من حياتك وذلك جنبا إلى جنب مع الدراسة الجامعية.
إن كان هنالك من تثق به ويمكنك الاعتماد على رأيه في توجيهك فلا تتردد في أخذ ملاحظاته، واطلب منه أن يساعدك بأن يلفت انتباهك بصدق إلى أي تطور يحدث في شخصيتك أو أداءك، سواء كان إيجابيا أو سلبيا، فإن كانت ملاحظاته إيجابية فاشكره، وليكن هذا حافزا قويا يدفعك إلى الأمام، وإن أبدى لك ملاحظة سلبية فاشكره أيضا على اهتمامه، وتقبلها برحابة صدر، واعمل على تفادي تكرار ما حدث.
إن الصداقات والعلاقات الحقيقية التي تدوم تحتاج إلى تواصل جيد بين الطرفين، والأهم أنها تحتاج إلى أن يقبل كل طرف بالطرف الآخر كما هو بمميزاته وبعيوبه، هذه هي العلاقات التي تدوم، أما التي تتطلب منا أن نكون مثاليين أو أوائل فهذه علاقات مؤقتة وليست حقيقية.
يجب أن تكثر من الطاعات والأعمال الصالحة، وليكن لك وردا يوميا من القرآن الكريم تحافظ عليه، فالتقرب إلى الله -عز وجل-بالطاعات والدعاء يفتح أبواب الفرج ويزيل كل ضائقة وينير العقل والقلب.
أسأل الله -عز وجل- أن يوفقك إلى الخير دائما.