السؤال
السلام عليكم
أنا مؤمن بوجود الله، وأن الإسلام دين الله، وسؤالي هو: لماذا أتبع هذا الدين؟ لماذا أتبع ما يقيد إرادتي واختياري وأقيد حياتي بقوانين؟ لماذا أفعل ذلك وأنا حر الإرادة، وحر الاختيار، وحر أن أعيش حياتي كما أريد بدون قوانين أتقيد بها؟
لا أريد إجابات من نوع لأن الله هو الخالق! فأنا مؤمن أنه الخالق، ولكن ما هو الشيء الذي يجعلني أتبع الدين بإرادتي وأفعل أوامره ونواهيه بإرادتي وأنا عندي الاختيار لأفعل ذلك؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
كل إنسان في هذا الكون مفطور على التدين والتعبد، ولقد فطر الله تعالى كل مخلوق على دين الإسلام الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، فلو ترك شخص معين لحده لبقيت هذه الفطرة سليمة نظيفة، ولذلك فإن أبناء الكفرة والمشركين واليهود والنصارى في أصل خلقتهم مفطورين على الدين الحق الذي هو الإسلام، غير أن التغير الذي يحدث لهؤلاء إنما هو بسبب المخالطة لغيرهم، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فانظر لهذه الألفاظ تجد أنه لم يقل أو يسلمانه لأنه في الأصل مسلم.
الخطيئة التي وقع فيها اليهود والنصارى هي: أنهم حرفوا دينهم واشتروا به ثمنا قليلا، ونسبوا لله سبحانه ما لم يقله، فادعوا له الولد والصاحبة، وحرفوا الكلم عن مواضعه، ولو أنهم لم يحرفوا الدين لبقوا على الفطرة، وقد دخل منهم من دخل في دين الإسلام بعد معرفته بالتحريف الذي حصل لدينه واتضاح الحق الذي جاء به نبينا عليه الصلاة والسلام.
من رحمة الله بخلقه أنه بعث لهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب مبشرين ومنذرين يدلون الناس على طريق الخير ويحذرونهم من طرق الشر، فمن آمن فلنفسه ومن كفر فعليها، وما ربك بظلام للعبيد.
الدين لم يقيد اختيار أي أحد، ولم يجبر أحدا على فعل شيء، بل ترك الاختيار للعبد نفسه يختار طريق الخير أو طريق الشر، فطرق الخير فيها السلامة، وطرق الشر فيها الضرر الأكيد على الإنسان ليس في الدنيا فقط، بل وفي الآخرة.
لعلك تدرك خطورة الربا والزنا، واللواط، وشرب والخمر، والسرقة، وإخافة الناس وترويعهم، وكيف أن العقلاء في العالم كله مسلم وكافر يحذرون من ذلك كله، وهذا كله قد حذر منه دين الإسلام في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، أليس الإسلام هو الذي يدعو إلى فعل ما ينفع الإنسان ويترك ما يضره، فكيف يمكن أن يطلق على ذلك أنه تقييد لحرية الإنسان مع أن الإسلام ترك الاختيار للإنسان نفسه، فإن شاء اتبع هذا الدين وإن شاء لم يتبع ولكنه سيتحمل نتيجة اختياره في الدنيا والآخرة.
يقول ربنا في القرآن الكريم: (وهديناه النجدين)، (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)، فهذه الهداية هداية الدلالة والإرشاد، وبين للناس طريقي الخير والشر، وأمر باتباع طريق الخير واجتناب الشر، فمن اتبع هذا أو ذاك فباختياره المحض.
الذي يجعلك تتبع الدين بإرادتك هو سلامة عقلك وتفكيرك ومعرفتك لشبه المشككين بهذا الدين ومعرفة الرد عليها، ومعرفة الخير من الشر والحق من الباطل، وهذا باختصار يعني العلم التام بهذه الأمور كلها، أو بالرجوع إلى أهل العلم الذين تثق بهم، ويجب أن تكون ثقافتك مبنية على أسس صحيحة، وبغير ذلك ستبقى كالريشة في مهب الرياح.
أنا أتعجب منك كل العجب كيف تدعي أنك تؤمن بوجود الله، وأن الإسلام دين الله، وأن الله هو الخالق الرازق الذي خلقك من العدم لغاية واضحة بينة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وعمارة الأرض، ثم تقول أريد أن أتحرر من القوانين.
ماذا يعني لك الإله الحق الذي تؤمن بوجوده أليس الإله هو المعبود؟ وما هي العبادات؟ أليست هي التي كلفنا الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله عليه الصلاة والسلام؟ فكيف يتسق هذا مع قولك إنك تريد ن تحرر من القوانين؟
قلت إنك تؤمن أن الإسلام هو دين الله، فما هو الإسلام يا ترى أليس هو تكاليف بعمل أفعال وترك أخرى؟ فكيف تؤمن بذلك ثم تريد أن تتخلى عن القيام بما يأمرك به دين الإسلام؟
هنالك أقوال في أوروبا وأمريكا بلغوا الغاية في الإلحاد والكراهية للإسلام والرد عليه بالكذب والافتراء ثم قرأوا وقرأوا عن الإسلام وقارنوا ذلك بما هم عليه من اليهودية والنصرانية أو الوثنية والإلحاد ثم في نهاية المطاف أعلنوا دخولهم في دين الإسلام، فماذا يعني لك كل هذا؟ أليس هذا يعني أن دين الإسلام بتكاليفه هو دين الحق.
اقرأ عن الإعجاز في القرآن الكريم الذي أذهل علماء الشرق والغرب وهو من جملة ما دعاهم للدخول في الإسلام، واقرأ في كتب من كان ملحدا ثم دخل في دين الله وماذا يقول عن الإسلام.
فكر في أمر آخرتك قبل أن تفكر في أمر دنياك، فسيأتي يوم يجمع الله في الأولين والآخرين للحساب والجزاء، فمن ثقلت موازينه بالعمل الصالح فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدين.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى الاستقامة والهداية آمين.