وفاة والدي جعلتني في ضنك من الحياة، أرجو المساعدة.

0 24

السؤال

السلام عليكم

توفي والدي قبل ١١ سنة، وانصدمت في بعص أقاربي بسبب الإرث، علما أنني وحيدة، لا أخ ولا أخت.

أشعر بالخذلان والصدمة، أنا متزوجة ولدي بنتان، وحياتي سعيدة -ولله الحمد-، لكنني أشعر بأن حياتي سوف تسوء لاحقا، لدي تشاؤم بعد صدمتي بوفاة والدي، كما أنني عصبية، وأشعر بالتعب من مسئوليات بناتي، أحبهم جدا، وحنونة جدا بالوقت ذاته.

أعاني من وجودهم بحياتي، لا أعلم هل أنا طبيعية، أم أحتاج لعلاج نفسي؟

أجلد ذاتي كثيرا، أصحو من نومي أنادي على والدي، وعندما أنتبه من نومي وألقى نفسي في البيت أعود للنوم ثانية، رغم أن حياتي سعيدة إلا أنني لا أستطيع أن أكون سعيدة.

أعاني من الأرق الشديد، تعبت من نفسي ومن حياتي، هل أحتاج لطبيب نفسي، وما نوع العلاج الذي أحتاجه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خلود حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فأتفهم مشاعرك -يا ابنتي- وهي مشاعر حقيقة ومؤلمة، ومن الواضح بأن لديك حالة مزمنة وشديدة من القلق النفسي، والقلق النفسي قد يتشعب ويكون في جوانب عدة من حياة الإنسان، وعلى ما يبدو بأن لديك نوعا يسمى (قلق الانفصال)، وهو حالة نفسية تتمثل في إصابة الإنسان بحالة من الخوف الشديد عند الابتعاد، أو الانفصال عن أشخاص معينين في حياته، أو عند الابتعاد عن الأماكن والاعمال التي اعتادها، فالابتعاد بالنسبة له يعني فقدان هذه الأشياء للأبد، ومجرد التفكير في هذا الامر يثير لديه نوبة قلق وهلع، ومع الوقت فإن القلق المزمن يسبب الاكتئاب وتتداخل الأعراض مع بعضها.

إن من يعانون من هذه الحالة (وأنت منهم) هم أشخاص عاطفيون جدا، يتصفون بأنهم يسعون للحصول على الرضى والقبول من قبل الآخرين، ولديهم انتماء وارتباط عاطفي ونفسي شديد بالأشخاص والأشياء والأماكن.

وبالطبع إن للظروف التي مررت بها من وفاة والدك -رحمه الله- وخذلان أقاربك لك، وعدم وجود أخوة وأخوات حولك، كل ذلك كان له دور كبير في ظهور وتفاقم الحالة، كما قد تبين حديثا بأن نوع الشخصية والوراثة تلعب دورا في كثير من الأمراض النفسية، ومن ضمنها هذه الحالة، وتبين أيضا بأن نسبة إصابة الإناث بهذه الحالة أعلى من نسبة إصابة الذكور.

إن هذه الحالة تتميز بنوبات اشتداد، مع نوبات هجوع، وإعطاء العلاج الدوائي فيها يعتبر أمرا هاما؛ لأنه سيساعد في زيادة فرص نجاح العلاج السلوكي، ولأن الدراسات الحديثة قد أظهرت بأن هنالك اضطرابا في مستوى بعض النواقل العصبية في الدماغ تحدث في هذا المرض، وإعطاء العلاج الدوائي سيعمل على تعويض هذا النقص في هذه النواقل.

إذا من المهم جدا أن تقومي بمراجعة طبيبة نفسية، فالحالة عندك هي حالة نفسية، وهي بحاجة إلى تقييم جيد لمعرفة جذور المشكلة وهل يرافقها أعراض آخرى غير القلق؟ فلا تكفي رسالتك هذه للمتابعة وحل المشكلة، بل أنت بحاجة إلى متابعة مستمرة خاصة بعد تناول العلاج الدوائي.

ومما يعين على العلادج العلاج السلوكي، ويعتمد على:

1- تدريب نفسك على تقبل كل الاحتمالات عندما تواجهين تغييرا أو ظرفا يسبب لك الخوف والقلق، فمثلا عندما تتذكرين والدك -رحمه الله- تذكري بأنه كان رجلا صالحا، وسيكون مثواه الجنة -إن شاء الله تعالى- واجتهدي في الدعاء له، أما خوفك على بناتك فذكري نفسك بأنك القدوة لهن الآن بكل تصرف تقومين به، وتذكري بأنهن سيكبرن وسيكن أيضا بمثابة أخوات لك يشددن عضدك -بإذن الله تعالى-، وحتى لو تزوجن فسيبقى التواصل مستمرا بينكم، بل وسيزداد بوجود الأحفاد -إن شاء الله تعالى-، وهكذا في كل أمر أو ظرف تتعرضين له حاولي أن تدربي نفسك على رؤية الجزء المملوء من الكأس، ودربي نفسك أيضا وجود كل الاحتمالات وتقبل المجهول.

2- دربي نفسك على عدم اجترار الأفكار القديمة، خاصة الأفكار المضطربة والتجارب السلبية، فعندما تراودك حادثة مؤلمة أو فكرة إلحاحية وغير منطقية، حاولي أن لا تضخميها، بل اتركيها تمر مرورا عابرا في ذهنك، ولا تقومي بتعزيزيها بالتخيلات، وقولي لنفسك : أعرف بأن ما ينتابني الآن هو مجرد أفكار وأحداث مرت وانتهت وأصبحت من الماضي، والمخاوف التي تنتابني مما هو قادم هي مخاوف غير منطقية، فعلم الغيب عند الله -عز وجل- ودائما اذكري قوله -جل وعلا-: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)، لذا سأترك المخاوف تمر بدون تضخيم، ثم قومي بتغيير مكانك إلى مكان آخر واشغلي نفسك بعمل تحبينه.

4- قومي بالتحدث بلطف وبإيجابية مع نفسك حول نقاط الضعف التي تعانين منها، وحولي الأخطاء التي حدثت معك، سامحي نفسك عليها، وحاولي إيجاد الحلول والبدائل لها، فاللطف والإيجابية مع الذات تعزز كثيرا من ثقة الإنسان بنفسه وتبعد عنه الأفكار السلبية.

5- دربي نفسك تدريجيا على مواجهة المواقف التي تخافين منها، تعرفي على الأفكار أو الظروف التي تثير فيك الحزن والخوف والقلق، وحلليها بواقعية وصدق، فستجدين حينها بأن أغلبها مضخم وغير منطقي ولا داعي له.

والعكس أيضا صحيح، ابحثي عن الأفكار والظروف التي تثير فيك مشاعر الرضى والاطمئنان، واحمدي الله -عز وجل- عليها، وأكثري من تذكرها، وارفقي ذلك مع الدعاء وقراءة القران، ففيها طمأنينة ورضى وسكينة، فقد قال -عز وجل- في محكم كتابه الكريم (الذين آمنو وتطمئن قلوبهم بذكر الله، الا بذكر الله تطمئن القلوب).

6- انهضي صباحا وعرضي نفسك لأشعة الشمس مدة لا تقل عن 15 دقيقة، وإن أمكنك ممارسة الرياضة بالوقت ذاته فستكون الفائدة مضاعفة، فمثلا يمكنك المشي نصف ساعة يوميا كل صباح، فقد تبين بأن ضوء الشمس والحركة أو الرياضة تخفف كثيرا من مشاعر الحزن والقلق، وتساعد في حفظ توازن دورة الجسم البيولوجية.

ويمكن التواصل معنا بالوقت لزيادة الفائدة -بإذن الله تعالى.

مواد ذات صلة

الاستشارات