السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة عمري 21 سنة، طالبة في الجامعة، في الثانوية كنت أتمتع بثقة عالية بنفسي، وأقدر ذاتي غاية التقدير، وكنت أتمتع بقوة الشخصية أو ما يصطلح عليه بالكاريزما إلى درجة أن أغلب من حولي كانوا متأثرين بي ويقلدونني في معظم أفعالي، ولست أبالغ، كما كنت أحب الرياضة كثيرا وأهتم جدا بجسمي، وبعد ذلك قررت أن أتوب إلى الله وهذا ما حصل بالفعل، فقد أصبحت فتاة ملتزمة، محافظة على الصلاة، وقراءة القرآن وغيره...، لكن بعد التحاقي بالجامعة وتحديدا بعد أن طلب منا الأستاذ إعداد عروض لتقديمها أمام زملائنا، ذهبت وقمت بإعداد العرض، لكني لم أستعد بالشكل الكافي لتقديمه، فقد كنت في ذلك اليوم جائعة وعطشانة بشدة، كما أنني ولفرط ثقتي بنفسي لم أكلف نفسي حتى بإلقاء نظرة أخيرة على عرضي، وفي هذه الأثناء بدأت بتقديم عرضي فقاطعني الأستاذ، وتقريبا وبخني لأنني لم أبدأ كما يجب، وهذا أثر علي، وتوترت إلى درجة أنني نسيت موضوع عرضي وصرت أمام الملأ في حالة لا أحسد عليها، وبهذا انتهى عرضي، ولم أقدمه كما ينبغي.
بعد هذا بدأت المشاكل وصرت ألوم نفسي على ما حدث، وأصابني ضعف تقدير الذات، وقلة الثقة بنفسي، وصرت أشعر وكأنني ضعيفة الشخصية، وأن الذين قدموا عروضهم ونجحوا فيها هم أفضل مني، كما أشعر وكأنني قد خاب رجائي في نفسي حقيقة؛ لأنني اعتدت أن أقوم دائما بالأشياء على الوجه الأكمل، وصرت إذا نظر إلي أحد فقط ينتابني خوف من أعماقي ولا أدري لم أعد أدري كيف أتعامل مع نفسي، ولم أعتد من نفسي هذا، عندي قدرات وكفاءة على عدة مستويات، والكل يرى هذا بي إلا أنا، لم أعد أرى هذا في نفسي، صرت كالأسد الذي خارت قواه، هل مواقف الضعف التي أصبحت تنتابني تدل على أنني ضعيفة الشخصية؟ ما الذي يحدث لي؟
أرجوكم ساعدوني، فقد صرت كلما حاولت التصرف بقوة وشجاعة كما كنت أتذكر ما حدث وأسمع صوتا من داخلي يقول أنت أصبحت ضعيفة الشخصية، وأنى لك أن تكوني قوية من جديد! ماذا أفعل؟ فأنا حائرة والله، ولعل إطالتي تدل على ذلك، فأعذروني على الإطالة، وأتمنى أن تجيبوني في أقرب فرصة، فأنا أحترق من شدة الألم النفسي الذي أشعر به.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رماح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يصلح الأحوال، وأن يحقق لك السعادة والآمال.
أنت –يا بنتي– لست ضعيفة، والدليل أنك وصلت هذه المراحل العليا في التعليم، بل الدليل أن عندك مواهب كثيرة يشهد بها من حولك من الزملاء والزميلات، وأرجو ألا تتوقفي عند الذي حدث، فلكل جواد كبوة، وكثير من الناجحين في حياتهم تعرضوا في البداية لعثرات، لكن تلك المواقف وتلك العثرات وتلك الانحناءات –لا أقول الإخفاقات– كانت دافعا لهم لمزيد من النجاح، وأديسون ما وصل لتجربته الناجحة إلا بعد آلاف التجارب.
ولذلك ينبغي أن تدركي أن الفشل ما هو إلا محطة في طريق النجاح والناجحين، ولولا الفشل ما عرف الناس قيمة النجاح، وما حصل من المدرس أو ما حصل منك كانت أسبابه واضحة، فأنت متعبة وجائعة وظمأة، ولم تراجعي العرض الذي قدمته، وحتى لو حصل هذا، أحيانا الإنسان يجتهد ويبذل ما عليه لكن لا يوفق للمرة الأولى، فعليه أن يكرر المحاولات، ويتوجه إلى رب الأرض والسموات.
ولذلك ينبغي أن تتغير هذه النظرة السالبة، ولا تقفي عند ذلك الموقف الذي حصل، ومما ننصحك به ما يلي:
1. كثرة اللجوء إلى الله تبارك وتعالى.
2. رصد وحشد المواهب التي وهبها لك الوهاب.
3. تذكر المواقف الإيجابية.
4. تذكر ما وهبك الله تبارك وتعالى من قدرات ونعم.
5. تكرار المحاولات.
6. تفادي أسباب الذي حدث، فالإنسان إذا كان جائعا أو ظمآنا أو متعبا، حتى في أمر التلاوة للقرآن والأمور الشرعية ينبغي أن يتدارك ذلك؛ لأن من الطبيعي أن ينعكس هذا على أداء الإنسان، وكثيرا ما يعتذر حتى الذين عندهم كفاءات عالية عن تقديم أي عمل إذا كان متعبا، وإذا كان غير مهيأ نفسيا.
وعلى كل حال فالذي حصل ينبغي أن يأخذ حجمه المناسب وسط النجاحات الكثيرة التي أوصلتك إلى هذا المستوى العلمي الرفيع، الذي ما كنت لتصلي إليه لولا أن الوهاب وهبك قدرات عالية.
وأرجو أن تعلمي أن النجاح لا يمكن أن يكون محصورا في القدرة على العرض، أو عدم القدرة على العرض فقط، فميادين النجاح كثيرة وكبيرة، وأهم من المادة المعروضة أن يكون الإنسان عنده قدرة في تحضير المادة وإعداد المعلومات، وهذه مسائل هي شكليات، بل كثير من الكفاءات العلمية والذين يقدمون ورش كبرى لا يجيدون العرض، إنما يؤتى لهم بمن يمرر هذا العرض، بمن يجهز لهم هذا العرض؛ لأن الناس بحاجة إلى علمهم، في حاجة إلى معلوماتهم.
ولذلك لا تقفي عند هذا الأمر الشكلي، وكلما ذكرك الشيطان هذا الذي حدث تذكري ما عندك من إيجابيات، وتعوذي بالله من الشيطان الرجيم، فإن هم الشيطان أن يحزن الذين آمنوا.
أما الذين ينظرون إليك فهم لا يقصدون بنظرتهم شيئا، ولكل واحد منهم إخفاقات في حياته، فالله قسم نعمه بين الناس، ربنا يعطي الإنسان شيئا ويحرمه أشياء، وإذا حرمه أشياء فإنه يعوضه بأخرى، وكلنا ذلك الناقص الذي يحتاج إلى معونة إلى الله وتأييد الله تبارك وتعالى.
فاستأنفي حياتك بعمل جديد وبثقة في ربنا المجيد، واعلمي أن ما حصل ينبغي أن يكون دافعا لمزيد من النجاحات، وليس سببا لمزيد من الرجوع إلى الوراء، والمؤمنة لا تقول: (لو أني فعلت كذا كان كذا) ولكن تقول: (قدر الله وما شاء فعل)؛ لأنها توقن أن (لو) تفتح عمل الشيطان، ونسأل الله أن يكتب لك النجاح والتوفيق والسداد، وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه.
ونسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يعينك على النجاح، ونسعد بتواصلك المستمر مع موقعك، حتى تجدين الإرشادات والتوجيهات، وأرجو ألا تحتقري نفسك ولا تعظمي الآخرين، الاعتدال في كل ذلك مطلوب، وكل إنسان له إيجابيات وله سلبيات، له جوانب ضعف وله جوانب قوة، والناجح هو الذي يكتشف ما عنده من جوانب قوة ونعم فيحمد الله عليها، ويعرف ما عنده من جوانب نقص فيسعى في إكمالها، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.