السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري، طفولتي كانت صعبة نتيجة انفصال أمي وأبي، وأشياء أخرى، عندما كنت في سن الـ ١٨، في سنتي التحضيرية بالجامعة كنت أشعر بالقلق الشديد نتيجة أجواء الدراسة الجديدة، تعرفت حينها على شاب في سنته التحضيرية أيضا، انفعلت وقتها في مشاعري معه جدا، حيث أهملت دراستي، وأخرج معه كثيرا؛ نظرا لأنني شعرت بالاهتمام والحنان منه، وهذا تحديدا في الفصل الدراسي الثاني من سنتي التحضيرية؛ مما أدى إلى تدهور درجات الفصل بشكل ملحوظ مقارنة بدرجاتي العالية جدا في الفصل الأول، وضياع أكبر وأجمل فرصة كنت أتمناها، وهي قبولي في الطب العام!
كنت على وشك القبول فيها، لكن بسبب حالتي العاطفية الهائجة وقتها، وعدم قدرتي على التحكم في مشاعري حينها، وردات فعلي، أصابني ما أصابني، من بعدها وأنا أعاني وأفكر في الطب كثيرا وأشعر بأن رغبتي فيه لم ولن تموت، وشعور الندم يلازمني كثيرا، مع أنه خف كثيرا نتيجة مجاهدتي له، حيث إنني أيضا آخذ حبوب اللوسترال جرعة واحدة للاكتئاب.
هناك فرصة لدي ألا وهي دراسة الطب مسار ثاني، ولا أعلم! تراودني مشاعر سلبية كثيرة، قلق، وخوف من المستقبل، وخوف من الفشل، وعدم القبول، الخوف من الانخراط بالناس أحيانا، بالرغم أنني اجتماعية جدا، لكن في سنتي التحضيرية تأثرت علاقاتي الاجتماعية كثيرا، حيث كانت مشاكلي مع زميلاتي كثيرة من بعد تعرفي وحبي لهذا الشاب.
أشعر بالندم الشديد، وأتمنى أن أعود مثل ما كنت وأفضل، مرت ٧ سنين، ولا يزال الألم يسكنني.
أريد أن أتعلم الطريقة الصحيحة والمثلى في التعامل مع هذه الأزمة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سيدرا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بالتأكيد ـ يا ابنتي- أن للظروف والبيئة التي ينشأ ويترعرع فيها الانسان تأثيرا كبيرا على تطور شخصيته وعلى حالته النفسية, ومن الواضح بأن الظروف التي مررت بها كانت ظروفا صعبة ومؤلمة، وقد كان لها دور في إصابتك بحالة من الاكتئاب, لكن الحقيقة التي يجب أن تدركيها – يا عزيزتي- هي أنه ليس بالإمكان تغير تصرفات الناس, ولا إعادة الزمن إلى الوراء, لكن بالإمكان تغير نفسك وردة فعلك واستجابتك على هذه التصرفات، وجعل المستقبل يبدو أفضل أمامك, بإذن الله تعالى.
ومن الجميل أن طموحك في إتمام دراستك لم يفتر رغم كل ما حدث, فهذا إن دل على شيء إنما يدل على أنك انسانة قوية من الداخل لا تستلم مهما كانت الظروف, فأحيك - أيتها العزيزة- على طموحك وإصرارك، وأدعوك لعدم الاستسلام؛ لأن الوقت لم يفت، والمستقبل ما يزال أمامك, وانقطاعك مدة 7 سنين عن الدراسة لا يعني أنك غير قادرة على العودة إليها وتحقيق النجاح, ولا تنظري إليها على أنها سنوات ضائعة، بل انظري إليها على أنها فترة زادتك نضجا وخبرة, فأصبحت أكثر إصرارا وقدرة على تحقيق أحلامك، ولا تترددي بالالتحاق بالمسار الثاني لدراسة الطب, فهذه المهنة بحاجة دائمة إلى طبيبات في مجتمعاتنا, والأجر على قدر المشقة بإذن الله تعالى.
إن شعورك بالخوف أو الفشل أو عدم قبول الناس لك، أو غير ذلك من المشاعر السلبية التي تنتابك هي مجرد مشاعر فقط، وليست حقائق, وهذه المشاعر ناتجة عن حالة الاكتئاب التي أنت فيها, بمعنى أوضح: أن ما تشعرين به أنت الآن نحو نفسك هي أعراض مرض الاكتئاب, لكن الناس لا تراك بهذا الشكل.
نصيحتي لك - يا ابنتي- هي بمراجعة الطبيبة النفسية للتأكد من أن الحالة عندك مستقرة ومسيطر عليها, فإذا أكدت لك ذلك فابدئي رحلة الدراسة ولا تسمحي للمشاعر السلبية التي تنتابك أن تقف في طريقك, وسامحي نفسك على أخطاء الماضي وتخلصي من كل ما يذكرك بذلك الشاب، فمثل هذه العلاقات عدا عن أنها محرمة وتخالف الشرع، فهي علاقات مغرضة يكون هدف الشاب منها التسلية واستغلال الفتاة وإيقاعها في المعصية - لا قدر الله-.
أنصحك الآن بأن تجعلي هدفك واضحا، وتمسكي به وهو: (أريد أن أصبح طبيبة؛ لأنني أحب مساعدة الآخرين؛ ولأن المجتمع بحاجة إلي، وأنا قادرة على تحقيق ذلك بإذن الله تعالى) واكتبي هذا الهدف على ورقة بخط كبير، وضعيها في غرفتك في مكان واضح ترينه باستمرار, وكلما شعرت بالخوف أو الكسل أو التردد اذهبي واقرأي هذه الورقة بصوت عال عدة مرات وحاولي التمعن في كل كلمة فيها.
بالطبع - يا عزيزتي- خلال دراستك الجامعية ستصادفين أناس كثر، وستصاحبين صديقات جدد وستبنين علاقات جديدة ذات معنى, ومع نجاحك في الدراسة سيتولد لديك شعور بالرضا والمتعة, وستزداد ثقتك بنفسك وبقدرتك على الإنجاز, وستعودين الإنسانة المجتهدة والاجتماعية التي كنت عليها بإذن الله تعالى.
أتمنى لك دوام الصحة والتوفيق.