السؤال
السلام عليكم
مشكلتي مع زوجي متزوجة منذ ١٢ سنة، طيلة مدة زواجي وأنا أبادر بالاعتذار والصلح، حتى لو لم أكن المخطئة كون زوجي عنيدا ولا يتنازل أبدا، ويتعمد أسلوب الصمت العقابي، يخاصمني بالأسابيع، وينقلب بالمعاملة للأسوأ.
في الصلح يكون كريما وضحوكا، ولكن مشكلته الأساسية أنه يستفزني بوزني دائما، وقد بدأت ألتزم بحمية حتى أنحف، في بداية السنة حصلت مشكلة واستفزني كثيرا حتى تفوهت بكلمة كرد فعل مني ولم تعجبه، وعلى إثرها قرر هذه المرة هجري لتأديبي لمدة ٦ شهور بنفس بيتنا، لا يحادثني أبدا، ولا يأكل معنا ولا أنام بجواره بالغرفة، ومنع علاقتنا الخاصة أيضا، ويكتفي بدفع مصاريف المنزل والأكل وإيجار البيت، ومستلزماتنا الأساسية.
بقي شهران حتى تنقضي مدة الهجر التي قررها ولكنه يوصل لي فكرة أنه سيستمر بهذا التعامل الجاف حتى بعد انقضاء المدة لبقية حياتنا، وأنا أحبه ولا أستطيع أن أتحمل جفاءه هذا، وهو يعلم أني أحبه، ولكنه لا يبادلني نفس الشعور.
أهلي يطلبون مني أن أطلب الطلاق وأنا خائفة من اتخاذ قرار كهذا، وأولادي يحبونه، مشكلته أنه يكون رائعا جدا وقت الصلح، وإذا أخطأت أي خطأ سواء عن قصد أو بغير قصد تثور ثائرته ويلجأ لهذا الأسلوب الذي يحطمني نفسيا به.
حاولت أن أحاوره وأبي حاول أيضا لكن لا جدوى يضع حججا كثيرة ولا أستطيع أن أصل معه لحل! فكيف السبيل لإخماد هذا الحريق النفسي الذي شب بيننا في منزل الزوجية.
مع العلم أنه يغلق أمامي كل السبل للإصلاح هو صعب الإرضاء وأخاف فقده، فكيف أتعامل معه بالفترة القادمة وبعد انتهاء المدة؟ هل أتجاهله أم ماذا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ماريا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك - أختي العزيزة - وأهلا وسهلا بك في الموقع، وأسأل الله تعالى أن يفرج همك وييسر أمرك ويشرح صدرك ويرزقك التوفيق والسداد ويجمع شملك وزوجك على خير.
بصدد اتصاف زوجك - هداه الله وأصلحه - بما ذكرت من صفات العناد وعدم الاعتذار على الخطأ وصعوبة الإرضاء واعتماده أسلوب الصمت والهجر الطويل في التعبير والتنفيس عن غضبه وقصد المعاقبة والتأديب، وحيث لم يقبل اعتذارك ومراجعة والدك، فإن ذلك دليل على عظيم دينك وخلقك وطيبتك وصبرك وحلمك ثبتك الله على الخير.
كما وهو دليل على قسوة في طبعه وفظاظتة وغلظته، ربما نتيجة الجو الأسري الذي عاشه في بيته أو لضغوط في عمله وحياته أو غير ذلك، ومهما يكن الأمر فإن ذلك يتنافى مع واجب حسن الدين والخلق والعشرة الزوجية مما يستدعي تذكيره ونصحه بحكمة ورحمة وحزم.
العجيب تناقضه في المعاملة، حيث لا يبالي بمعايرتك بوزنك وطول هجرك ثم يغضب لما دون ذلك من ألفاظ منك قد لاتقرب من خطئه قطعا.
لذا فإنه لابد من توسيط جهة أخرى ويلزم أن تكون أقوى من شخصية والدك - حفظه الله وعافاه - من عقلاء أهله خاصة كوالد زوجك أو أحد أعمامه وأخواله ممن يحظى بالقبول لديه والتأثير عليه وإقامة الحجة عليه وإزالة الشبهة منه وزجره وردعه عن سوء خلقه ومعاملته لك، وبيان كون ذلك مخالفا للشرع والعشرة والمصلحة والحقوق الزوجية.
من المهم تنبيه زوجك إلى تحريم ما يتسامح به من ظلمك وأذاك بالمعايرة لوزنك، أو الهجر الطويل، فلا يخفى أن هجر المسلم لأخيه، ومثله بل أولى منه حرمة هجر الزوجة لغير مبرر شرعي ظاهر كما لو صدرت من الزوجة نشوز وتمرد عن الطاعة، فإن الهجر يكون في المضجع كما دلت عليه الآية الكريمة، وقد صح في الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم :(لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام): ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار ) وصححه الألباني.
أما لو حلف الزوج على الهجر زيادة على أربعة أشهر فهذا يسمى في الشرع (إيلاء)، وحكمه في الشرع التحريم، بأن يحلف الرجل على أن يعتزل امرأته، فلا يقربها، ولا يعاملها معاملة الأزواج أكثر من أربعة أشهر، فيؤمر الزوج على مذهب جمهور العلماء بالفيئة (الرجوع عن يمينه)، أو بالطلاق، فإذا امتنع الزوج منهما طلقها الحاكم عليه، ويكون تطليقة رجعية.
من المذهل منك والمشكور لك صبرك على زوجك ومحبتك له وتقديرك لجميل صحبته حال رضاه، وحرصك على بقاء عقد الزوجية ورفضك للطلاق منه، لكن سرعة تقلب زوجك - هداه الله وأصلحه - وانقلابه وقسوة معاملته جديرة بالمراجعة وشدة المعاتبة له بعلم وحزم على الصورة التي ذكرت، مع تشجيعي لك بعدم الطلاق، لاسيما إذا كان بينكما أولاد.
إلا في حالة تضررك النفسي وغيره الزائد عن حدود طاقتك، فلا مانع عندئذ منه، بل رغب الشرع فيه ؛ حفظا لسلامة دينك و عقلك ودنياك وكرامة ونفسية أسرتك، قال تعالى :(وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما).
أوصيك بحفظ لسانك عن جرحه ومراعاتك لطبيعته ونفسيته والتحبب لديه باهتمامك بجمالك ورشاقتك وزوجك وأولادك ونظافة بيتك وجماله.
بصدد تحصيل عون وتوفيق الرحمن والراحة والاطمئنان وطرد آفات الحسد ووساوس الشيطان، فيلزم مع النصح للزوج، بضرورة تعميق الإيمان باستحضار فضل الصبر والرضا بالقدر ولزوم الذكر والدعاء والاستخارة والصحبة الصالحة وقراءة القرآن.
كان الله معك وفي عونك وفرج همك وأصلح زوجك وجمع شملكما على خير ووفقك لما يحب ويرضى ورزقك سعادة الدنيا والآخرة.