السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشعر بحالة من الضيق والتيه لعدم انسجامي مع أمي، العلاقة بيننا لا يوجد بها انسجام منذ الصغر حتى إنني كنت أرتمي في أحضان قريباتي وصديقاتي للبعد عن قسوتها وجفاء مشاعرها تجاهي، لكن حاليا سافر الأقرباء وانشغلت الصديقات ولم يتبق لي سوى مواجهة أمي.
منذ سنوات صار ألم يعتصرني لجفائها معي، ومؤخرا تفضيل إخوتي الذكور علي، وبالرغم من أنهم أصغر مني إلا أنها تضغط علي، فأخي الأصغر يهينني ويعايرني بعدم زواجي، فتخبرني أن أبتعد في غرفتي ولا أجيبه، ولا تفعل هي شيئا، وأخي الآخر تحبه حبا جما، حتى إنه لو حمل ورقة لجهرت بالدعاء له والثناء عليه، وأنا لا تفعل معي ذلك أبدا، حتى إنني طلبت منها ذلك فلم تستجب، ولأني أعلم أنها بوابتي للجنة فأحرص دوما على مصالحتها، لكن في قلبها دوما شيء من ناحيتي، وأنا أستشعره فينقلب ودي غضبا.
حتى إنني قررت ألا أتعامل معها إلا في أضيق الأمور حتى لا تتفاقم الأمور بيننا، غير أني أخاف أن أفقدها فيدمى قلبي حزنا عليها، لا أحد يستغني عن أمه، أسألكم الدعاء والنصح، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أتفهم مشاعرك - يا ابنتي- فأكثر ما يؤلم الإنسان هو أن يتعرض للإهانة من قبل أحب الناس إلى قلبه، والحقيقة هي أن عدم وجود تواصل جيد بينك وبين والدتك يبقي المشاكل عالقة والنفوس مشحونة بمشاعر سلبية، ولكن أطمئنك بأنه من الطبيعي أن يشعر الإنسان ببعض المشاعر السلبية نحو أقرب الناس إليه على أثر سوء تفاهم أو خلاف، لكن هذه المشاعر تكون عبارة عن مشاعر غضب وليس مشاعر كراهية، والمشاعر طالما بقيت في داخل نفس الإنسان ولم يعمل بها أو يظهرها فإن الإنسان لا يؤثم عليها بإذن الله تعالى، والحمد لله الذي لا يحاسبنا على ما لا نملك ولا حيلة لنا فيه.
لكن هذا لا يعني بأنها لا تحبك ولا يعني بأنه لا يمكنك التعامل معها في سبيل تحسين العلاقة بينكما.
صحيح أنك لن تتمكني من تغيير تصرفاتها وطباعها، لكن يمكنك التحكم في نفسك وفي ردة فعلك على ذلك، فهذا تلقائيا سيقلل الصدام بينكما وسيشجع والدتك على تحسين تصرفاتها.
أنصحك- أيتها العزيزة- بتجنب مواجهة والدتك بقول أو فعل يغضبها مهما فعلت، وليكن لك في سيدنا إبراهيم عليه السلام أسوة، فقد كان والده كافرا ويتوعده أشد الوعيد، وقد قال الله عز وجل على لسانه في محكم كتابه الكريم: ( أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ) فكان جواب سيدنا إبراهيم على ذلك بأنه هدأ من غضب والده وقابل القسوة بالإحسان حين قال: ( سلام عليك سأستغفر لك ربي).
إن صبرك على حال أمك لك فيه أجر عظيم، والصابرون وحدهم هم الذين سينالون أجرهم من دون حساب، وقد بشرنا الله عز وجل بذلك في كتابه الكريم: (إنما يجزى الصابرون أجرهم بغير حساب) وهذا يجب أن يكون حافزا ودافعا لك على المزيد من التحمل والصبر، وإذا أساءت والدتك التصرف معك فلا تعيري الأمر أهمية كبيرة، ولا تؤاخذيها على محمل شخصي، ولتكن ردة فعلك دبلوماسية وحكيمة، فيمكنك مثلا القول لها: (يبدو أنك غاضبة الآن - يا والدتي- وأنا آسفة لشعورك بمثل هذا الغضب فهل بإمكاني فعل شيء يخفف عنك؟ وإذا كنت غاضبة مني فأرجو منك أن تخبريني بما يمكنني فعله لمساعدتك، وأعدك بأن أبذل جهدي في ذلك فأنت أمي وأنا أحبك وأحترمك).
إذا استمرت في غضبها، فهنا يمكنك استخدام أي حجة مناسبة من أجل الانسحاب من الموقف ومغادرة المكان وبكل هدوء، فقولي لها مثلا: (عذرا - يا أمي - أنا مضطرة للعودة إلى غرفتي فهنالك شيء هام يجب علي فعله، أو مضطرة لاستخدام الحمام أو عمل مكالمة هاتفية مهمة أو أي شيء آخر يجعلك تغادرين الغرفة بهدوء ومن دون أن تؤججي الموقف.
بنفس الوقت - يا ابنتي- استغلي الأوقات التي تكون فيها والدتك هادئة وبمزاج جيد فتقربي منها، وحاولي إدخال السرور إلى قلبها، وحاولي التحدث معها عن الأشياء التي تحبها، وأثني على موهبتها في الطبخ أو الخياطة أو أي شيء تجيده.
كذلك ساعديها بأعمال البيت حتى لو لم تطلب ذلك أو لم تقدره لك، فليس المطلوب أن تبدل حالها، بل المقصود معاملتها بالصبر والمسامحة في كل الظروف.
المهم - يا ابنتي- أن لا تجعلي سوء تعاملها معك مانعا لك عن برها والانتفاع بأجر هذا البر في الدنيا والآخرة، فبر الوالدين عبادة عظيمة، وتذكري دائما بأن الأجر في العبادة يكون على قدر المشقة، ولا تنسي أن تدعي لها بظهر الغيب بأن يصلح الله عز وجل حالها ويشرح صدرها، وتسلحي بالذكر والاستغفار دائما، وأكثري من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
أسأل الله عز وجل أن يوفقك إلى ما يحب ويرضى دائما.