السؤال
السلام عليكم..
جزاكم الله خيرا.
أنا فتاة نشأت في أسرة مليئة بالمشاكل والتوتر الأسري بسبب جهل والدي -سامحهما الله-، وزاد على ذلك ضيق الرزق بعد أن خسر والدي عمله عندما أنهيت دراستي الثانوية، وبدأت مرحلة الشقاء التي لم تنته!
منذ كان عمري 17 عاما توظفت لمساعدة أهلي وحرمت نفسي من كل شيء حتى من إكمال دراستي الجامعية، وكان عزائي دائما أن الله سيعوضني؛ لأني بارة بأهلي.
استمرت معاناتي مع أهلي ومشاكلهم وبيتنا الذي كنت أكره دخوله، واعتاد أهلي أني مسؤولة عن مصروف المنزل وكأنني رب الأسرة وأكثر، حتى أصبحت علاقتنا تتمحور حول الراتب! كنت أنتظر الفرج من الله بأن يرزقني زوجا صالحا يريحني من حياة صعبة علقت فيها ولا مخرج منها سوى فرج الله، وكان أملي كبير بأن عوض الله آت، فقد رزقني الله جمالا لافتا وشخصية صقلتها سنوات العمل، لكن مشيئة الله لم تسمح إلى الآن.
كانت أمور زواجي معطلة دائما بالرغم من أعداد المتقدمين الكبيرة إلا أنه لم يكتب التوفيق لأي منها، دعوت الله في السر والعلن، وأقمت الليالي، واعتمرت ببيت الله الحرام مرات عديدة، ولازمت الاستغفار، وقراءة سورة البقرة، والرقية الشرعية، وعملت كل ما يمكن عمله لفك كربي، ولكن وضعي لم يتغير الحمد لله، زاد همي عاما بعد عام حتى أصبح عمري الآن 33 عاما، بل وصرت المعيلة الوحيدة لأمي وأبي؛ لأن إخوتي ابتعدوا عن العائلة ومشاكلها ولا يتواصلون معنا!
أنا الآن أعاني كثيرا من الوحدة والألم النفسي والحمل الثقيل ونظرة المجتمع، ولا أريد إكمال حياتي بهذا الشكل أبدا، الموت أرحم لي والله!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Reema حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -بنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك هذه التضحيات الكبيرة من أجل والديك، ونبشرك بأن الله لن يضيعك، فقط نريد أن تحتسبي بهذا العمل العظيم الذي تقومين به، وأبشري بالخير فإن من سهرت على والديها واجتهدت في القيام بواجباتها رغم صغر سنها وقدمت التضحيات لن يضيعها الله تبارك وتعالى، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر الخير ثم يرضيك به.
لا شك أن التجربة لم تخل من الصعوبات لكن البدايات المحرقة -إن شاء الله- لها نهايات مشرقة، والذي نريد أن نؤكد عليه هو ضرورة أن يرضي الإنسان بما قدر الله عليه، أنت ولله الحمد بذلت الأسباب والله تبارك وتعالى هو الذي يقدر للإنسان الخير، ولن تندمي أبدا على خدمة والديك رغم تقصيرهم؛ لأن بر الوالدين عبادة وطاعة لله تبارك وتعالى، بل الخوف على إخوانك الذين تخلوا عن مهامهم وانسحبوا من أسرتهم وابتعدوا عنها، ولذلك أرجو أن تستقبلي هذه الصعوبات برضا بقضاء الله وقدره، ثم بالاجتهاد في طاعته، ثم بالحرص على بر والديك ما استطعت إلى ذلك سبيلا، مهما كان التقصير الذي حصل منهم، مهما كانت الظروف فإن هذا ابتلاء، فالإنسان يؤجر على صبره على والديه، ويؤجر على كل معاناة تقابله في هذه الحياة، "وعجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن اصابته شكر فكان خيرا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"، ونوصيك بالآتي:
أولا: الدعاء لنفسك، ولوالديك، ولأسرتك.
الأمر الثاني: الاستمرار في التوجه إلى الله تبارك وتعالى والمواظبة على ذكره وشكره وقراءة الرقية الشرعية وهذه الأشياء الرائعة التي تقومين بها.
الأمر الثالث: لا تحجزي نفسك وأظهري ما وهبك الله تبارك وتعالى من جمال وخصال ودلال بين الصالحات من النساء، واعلمي أن لكل واحدة منهن محرم يبحث عن الصالحات من أمثالك، واعلمي أن هذا البر لا يقودك إلا إلى الخير، وكذلك أيضا ينبغي أن تدركي أن هذه الأمور بيد الله تبارك وتعالى والإنسان لا يدري أين يكون الخير، قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم)، الإنسان لا يدري ولذلك السعيد الذي يرضا بقضاء الله وقدره، قال عمر بن عبدالعزيز: "كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار". واعلمي أن نعم الله مقسمة، فقد تتأخر نعمة عن الإنسان لكن الله يعوضه بنعم أخرى، ولذلك هذا اللجوء إلى الله تبارك وتعالى والإقبال على الله والقيام بوظائف وخدمة الوالدين وخدمة الأسرة هذا لن يضيع سدى.
ولكن أرجو أن لا ينجح الشيطان في أن يجلب لك الملل أو اليأس أو القنوط أو يدعوك إلى التوقف عن الطاعات، بل عاندي عدونا الشيطان الذي يتألم إذا تبنا، يتألم إذا استغفرنا، يبكي إذا سجدنا لربنا تبارك وتعالى، وتعوذي بالله من الهم والعجز والكسل، فإن مما يرفع الهموم اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وأنت والحمدلله قطعت المشوار الصعب، وتبقت لك الأمور السهلة، واعلمي أن أيضا أبواب الخير لا تزال مفتوحة، ونسأل الله أن يضع في طريقك شابا يسعدك ويعوضك عن كل ما مضى من المعاناة، ونكرر الترحيب بك في موقعك، وشكرا لك على هذا التواصل، ونسأل الله أن يرفع الغمة عن الأمة، وأن يعيد علينا وعليكم الصيام أعوام عديدة وسنوات مديدة في طاعته وأن يجعلنا جميعا ممن طال عمره وحسن عمله.
والله الموفق.