السؤال
السلام عليكم.
في البداية أود شكركم على هذا الموقع -بارك الله فيكم-.
لدي جوانب كثيرة مختلة في حياتي وأود إصلاحها، فقد كنت في الثانوية العامة العام الماضي، ودخلت بفضل الله كلية الصيدلة، ولكن من حينها لم أعد أنتظم في صلاتي، ولم أعد أدرس أو أجتهد ربع الاجتهاد الذي كان في الثانوية.
وانجرفت إلى مشاهدة الأفلام الرومانسية، ثم الإباحية، ثم فعلت العادة السرية، ورسبت في ٣ مواد، فلم يعد لدي ثقة في نفسي أني سأنجح أو سأتوقف عن العادة، وأشعر بالانتقاص عندما يعاملني الناس كالطاهرة العفيفة وأنا لست كذلك.
وزني زائد منذ ٧ سنوات، وأعاني من الإحباط بسببه؛ حيث أنه مع كل محاولة لإنقاصه لا أستمر كثيرا، بل أرجع بزيادة أكبر من التي كنت عليها، وليس لدي مشكلات صحية تعوق نزول الوزن، ولكن المشكلة في الاستمرارية.
ختمت القرآن منذ ٣ سنوات حفظا، ولكن لظروف الدراسة انشغلت عنه حتى تفلت من يدي، وأرغب في المداومة عليه، ولكن ذنوبي تثقلني ولا أملك من الوقت الكثير.
أريد التوقف عن العادة، وخاصة أنه تروادني أحلام أني أجامع أبي -أعاذكم الله-، وأريد أن أنقص وزني، وأعود إنسانة طبيعية مجتهدة تخاف الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
مشكلتك تحددت في أنك وقعت في حمأة مشاهدة الأفلام الرومانسية ثم الإباحية، ونتج عن ذلك عدة أمور:
1-لم تعودي منتظمة في أداء الصلاة.
2-صرت تمارسين العادة السرية.
3-أهملت في الدراسة والمذاكرة وتسبب ذلك في رسوبك في عدة مواد.
4-تفلت عليك القرآن الكريم بعد أن كنت حافظة.
5-بحسب تعبيرك فقدت الثقة بنفسك أنك ستتركين كل ذلك.
ولمحاولة إيجاد بعض الحلول التي ستعينك -إن شاء الله- في التخلص من هذه المعاصي، سأطرح بين يديك ما يأتي:
- لا بد أن نحدد من كان السبب في وقوعك في كل هذا بعد إن كنت مثالية وتحفظين القرآن الكريم ويعرفك الناس بالاستقامة.
ولو افترضنا أن من الأسباب رفيقات السوء، أو ما يبث في القنوات، أو الشيطان الرجيم، فسنجد أن هذه ليست أسبابا مقنعة؛ لأن رفيقات السوء أنت من اختارهن، وكذلك لم يجبرك أحد على الوقوع فيما وقعت فيه، بل أنت من استسلم لكلامهن وأحب تقليدهن، وهكذا القول فيما يبث في القنوات، أو ما هو موجود في اليوتيوب، بل أقول إن الشيطان لم يجبرك، وإن كان وسوس لك بفعل كل ذلك فالسبب هو أنك أنت من استسلم لتلك الوساوس واتبع خطواته.
إذا لا بد أن تعترفي أنك أنت السبب في وقوعك في كل هذه المشكلة؛ حتى يكون عندك الهمة الكافية لإيجاد الحلول والخروج من ذلك؛ فالاعتراف هو نصف الدواء؛ لأن المريض الذي لا يعترف بمرضه لا يمكن أن يستعمل الدواء الذي سيصفه له الطبيب.
لا بد أن تكون الرغبة موجودة عندك، وأن تستعيني بالله تعالى وتتوكلي عليه للخروج من هذه الذنوب العظيمة.
كثير من الصحابة وقعوا في بعض الذنوب رغم طهارة مجتمعهم، والسبب هو ضعف النفس البشرية، وطغيان الهوى والشهوة، فمنهم من زنى، ومنهم من سرق، ومنهم من شرب الخمر، ولما كانوا يأتون إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام معترفين بالذنب تائبين طالبين التطهير منها، حين أتو كانوا قد قطعوا نصف المشوار، وصارت أنفسهم متقبلة للدواء أيا كان ذلك: سواء التوبة والندم، وعمل الصالحات، أو حتى إقامة الحد، فقد تقبل بعضهم ذلك بصدر رحب، فمنهم من جلد، ومنهم من رجم، وكانت أنفسهم راضية مطمئنة.
لقد وقعت في ساعة ضعف، فحصل لك ما حصل، لكن كما سبق لا ترمي بالتبعة على أحد سوى نفسك، وأنا على يقين أن استشارتك هذه هي جزء من الحل، ونوع من الاعتراف، ولعلك -أختنا الكريمة- مستعدة ومنتظرة لما سأوجهك به كي تبدئي بالتنفيذ من ساعتك، فأقول:
أولا: لا ترسلي لنفسك الرسائل السلبية بأنك غير قادرة على ترك هذه المعاصي المركبة، بل أنت قادرة، وعليك أن توعزي لعقلك بأنك قادرة على أن ترجعي كما كنت من قبل، بل أحسن من ذلك بإذن الله؛ فبعض الذنوب إن تاب منها العبد تكون محفزة له على السير الحثيث إلى الله تعالى.
ثانيا: احصري الأسباب التي جعلتك تقعين في هذه الذنوب مثل: مشاهدة التلفزيون والإنترنت، فابتعدي عنها بالكلية حتى لا تضعف نفسك فتعودين مرة أخرى إلى تلك الذنوب.
ثالثا: تذكري عظمة الله وأيقني أنه معك أينما كنت، وأنه يراك، فإذا كنت تبتعدين عن أعين الناس، وتستحيين منهم أثناء مشاهدة تلك المقاطع أو ممارسة العادة؛ فتذكري أن الله يراك، فاستحيي منه حق الحياء ولا تجعليه أهون الناظرين إليك.
رابعا: عليك أن تجلسي مع نفسك جلسة محاسبة، وتتصورين تلك المشاهد وتلك الفعلة التي تفعلينها، وفي نفس الوقت يجب أن تقبحي وتحتقري تلك الأفعال حتى ينغرس في ذهنك قبحها، ولو أنك قارنتها بأبشع رائحة تنفرين منها لكان ذلك من أدعى ما ينفرك عن فعلها إن سولت لك نفسك.
خامسا: عليك بالتوبة النصوح، والتي من شروطها أن تقلعي عن الذنوب، وتندمي على فعلها، وتعزمي العزم الأكيد على ألا تعودي مرة أخرى.
سادسا: ذكري نفسك الأمارة بالسوء أن هذه الأفعال محرمة، وأن الله يبغضها ويمقت مرتكبها ما لم يتب منها، فالنفس تحتاج إلى زاجر يزجرها وواعظ يعظها.
سابعا: ما وقعت في كل هذا إلا بسبب ضعف إيمانك، ولذلك فأوصيك أن تجتهدي وتجاهدي نفسك من أجل تقوية إيمانك من خلال كثرة الأعمال الصالحة، ابتداء بالمحافظة على الفرائض ثم نوافل الصلاة، والصوم وتلاوة القرآن والذكر، وغير ذلك؛ فقوة الإيمان تولد في النفس مراقبة الله تعالى، وتوجد حاجزا يمنع من الوقوع فيما يسخط الله سبحانه.
ثامنا: الحياة الطيبة لا تستجلب بالشهوات بل بالطاعات قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
تاسعا: عودي مرة أخرى للقرآن الكريم حفظا وتلاوة؛ فإن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما -وهم العاملون به- ويضع فيه آخرين -وهم المتنكبون عن طريقه-.
عاشرا: لعلك تعلمين حرمة مشاهدة ما يثير الشهوة، فضلا عن ممارسة العادة السرية، وهذه المعاصي طريق إلى النار والعياذ بالله، ففي الحديث: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) فابتعدي عن هذا الطريق الموصل إلى النار عياذا بالله.
الحادي عشر: ابتعدي عن كل ما يشوه سمعتك؛ فإذا كان الله الرحمن الرحيم الستير لا يزال ساترا عليك ولم يعرف ذلك أحد، فإن ذلك إمهال لك، ويوشك أن يكشف سترك فيعرف من حولك ماذا تفعلين بطريقة قد لا تحتسبينها، فاحمدي الله الذي ستر عليك، ومن حمده الإقلاع عن هذه القبائح.
الثاني عشر: احذري من الرسائل السلبية، فلها آثار وخيمة؛ لأن العقل يستقبلها ويصدر أوامره لبقية الأعضاء بالتفاعل معها، فقولك إنك لا تستطيعين الإقلاع رسالة سلبية، ولذلك تجدين نفسك مقيدة وتحسبين أنك غير قادرة على الخروج من هذا النفق المظلم، وهذا ليس بصحيح، فالذي كبلك هو تلك الرسالة، فعليك أن تمحي هذه الرسالة بأخرى إيجابية بأنك قادرة على أن تنتشلي نفسك من هذا الوحل، وهذا بالطبع مع الرغبة والعزيمة على التغيير؛ لأن التغيير يبدأ من النفس (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
الثالث عشر: علاج اليأس والقنوط هو إعادة صياغة الحياة على التفاؤل وحسن الظن بالله، والنظر إلى الحياة بتفاؤل، واستبدال الرسائل السلبية التي كبلتنا عن الانطلاق والتحرر من الواقع المر -برسائل إيجابية، فأمعني معي النظر في قول الصحابة حين أتي برجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من شرب الخمر، فقال الصحابة لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به! لما كان لهذه الرسالة السلبية تأثير على نفسية الرجل تجعله يستمر في الإدمان، محى عليه الصلاة والسلام تلك الرسالة بأخرى إيجابية تعزز من ثقة الرجل بنفسه وتدفعه نحو التغيير، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوه، إنه يحب الله ورسوله)، فكيف تتصورين نفسية هذا الرجل بهذه الشهادة من النبي عليه الصلاة والسلام، ولما أتاه بعض الصحابة وكانوا قد تركوا الخطوط الأمامية للمواجهة في القتال، فقال لهم من أنتم قالوا: نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون؛ يعني المنحازون إلى قائد الجيش، فعليك أن لا تكثري على نفسك من جهة كونها وقعت في المعاصي، ومن جهة أخرى تقولين لها إنك لست قادرة على تركها والتغلب على الهوى، بل اجعلي نفسك المطمئنة تنتصر على لأمارة بالسوء.
الرابع عشر: عليك أن تذمي هذا الفصام في حياتك؛ فأنت تظهرين للناس الاستقامة، ولكنك إذا اختليت بمعاصي الله انتهكتها، وشعورك بالانتقاص دليل على أن الإيمان الذي في قلبك هو الذي يشعرك بهذا الألم، فعليك أن تنمي هذا الإيمان وهذا الشعور، واجتهدي في التوقف عن تلك الأفعال.
الخامس عشر: ما يخص الوزن أنصحك بمراجعة طبيب أو طبيبة تغذية واتباع التعليمات التي سيعطونك، وبإذن الله مع التصميم والعزيمة ستصبحين صاحبة وزن مثالي، كما يمكنك الاطلاع على الاستشارات الخاصة بإنقاص الوزن والتخلص من السمنة في موقعنا وهي كثيرة ولله الحمد.
السادس عشر: ما يخص احتلامك بمجامعة والدك؛ فهذا من الشيطان الرجيم؛ نتيجة انشغال ذهنك بالعادة السرية والمعاشرة الجنسية، فلا تلتفتي لها، وإن صحت هذه الرؤيا فهي تدل على حب والدك لك وبره بك.
أوصيك أن تلزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وصبي دموع التوبة والندم بين يديه، واطرقي بابه، وستجدينه توابا رحيما يغفر ذنوب عبده ولو كانت مثل زبد البحر.
باب التوبة لا يزال مفتوحا، وهذا من رحمة الله تعالى، فبادري بالتوبة (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها).
عملك بهذه الموجهات سيعيدك بإذن الله إلى أفضل مما كنت عليه سابقا، وستصبحين متميزة في تحصيلك العلمي، مبدعة نافعة لمجتمعك.
أسأل من الله تعالى أن ينفعك بهذه الموجهات، وأن يوفقك للإقلاع عن هذه الذنوب، وأن يسمعنا عنك خيرا، ونسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد في حياتك، والله الموفق.