لا أستطيع التحاور مع الغرباء ومن هم أكبر مني، فهل لحالتي حل؟

0 30

السؤال

السلام عليكم.

أنا امرأة متزوجة، ولدي طفلة، عمري 20 سنة، مشكلتي أني لا أعرف كيف أتعامل مع الناس غير الأقارب جدا مني، فعندما يزورنا الضيوف في بيت حماتي مثلا أجد نفسي غير قادرة على الخروج للجلوس معهم، فضلا عن الترحيب بهم، لا أستطيع التحدث وسط مجلس به أناس أكبر مني بالسن أو غرباء بكل أريحية، والتعبير عما يدور بداخلي، لا أبادر بالكلام أو المداخلات والتعليقات، وإذا تكلمت أجد نفسي أبدأ بالتوتر ثم أختصر الكلام أو لا أكمله لأسكت بسرعة، أحس أني إنسانة غير محبوبة ومرغوب بوجودها، أو أن وجودي كعدمي، أرغب بصلة الرحم، ولكن أفكر أن اتصالي بالأشخاص الذين أود صلتهم سيكون تافها وثقيلا عليهم، لا أحب الغيبة، وأحاول اجتناب مجالسها، ولكن أجد أن كل المجالس بها غيبة غير مجلسي مع زوجي والأقارب جدا مني الذين أتحكم في إيقافهم عن الغيبة.

أرجو منكم أن تساعدوني، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بالطبع- يا ابنتي- إن الحياء هو شيء مطلوب، والحياء هو تاج المرأة الذي يزيدهها جمالا وهو وسياجها الذي الذي يصون كرامتها ويجعلها كالكنز الثمين وهو من سمات المراة المؤمنة، فقد قال رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم في الحياء (إن الحياء من الإيمان).

إن حياء المرأة أو خجلها يجب أن لا يتعارض مع ممارستها لحياتها الطبيعية، فإذا أصبح يتعارض مع ذلك ويؤثر على مسار حياتها بشكل سلبي، وأصبح يسيء إلى شخصيتها أو يسبب لها الحرج الشديد عند التعامل مع المواقف الطبيعية؛ فهنا يكون الحياء قد تحول إلى نوع من الخوف المرضي أو الرهاب الاجتماعي.

والرهاب: هو عبارة عن خوف شديد وغير مبرر لشيء ما، ومن الأمثلة على الرهاب: رهاب الأماكن المرتفعة، رهاب البحر، رهاب الحيوانات، وغير ذلك … وفيها يحاول الشخص قدر الإمكان الابتعاد عن هذه الظروف التي تثير خوفه وتوتره، لكن بالنسبة لك فيبدو بأن حالة الرهاب عندك بسيطة ولم تصل إلى مرحلة يمكن القول معها بأنها حالة مرضية، ويمكن القول بأن خجلك وتوترك وعدم قدرتك على المبادرة في الحديث هي من صفات شخصيتك الطبيعية، بمعنى أن لديك شخصية خجولة اجتماعيا، وبالتالي غير قادرة على إقامة صداقات اجتماعية، فانحصرت علاقاتها مع الناس المقربين منها والذين ألفت وجودهم حولها.

إن الشخصية تتشكل في مراحل الطفولة المبكرة وتتبلور في سنين المراهقة، ثم تكتمل صفاتها بعد هذا السن، ومما يؤثر على شخصية الإنسان هو الظروف التي عاشها والبيئة التي نشأ فيها وطريقة التعامل التي اعتاد عليها، وبالطبع يتداخل مع كل هذا العامل الوراثي، بمعنى أنه قد يكون لديك استعداد وراثي في شخصيتك يجعلك أكثر خجلا من غيرك، لذلك ترين بعض الفتيات لا يصبن بالخجل أو الخوف عند التعرض للتجمعات أو مقابلة أناس جدد وإقامة صداقات رغم أنهن عشن في ظروف مشابه لظروفك.

والعلاج الأساسي للحالة هو علاج سلوكي معرفي:
يعتمد مبدأه على التعرف على الأفكار السلبية التي تراودك وتسبب لك الحالة ومن ثم محاولة تغيير هذه الأفكار والسلوك المرافق لها، فالخوف أو الخجل الشديد أو التوتر كل هذه المشاعر تتغذى على الأفكار السلبية، لذلك يجب استبدال هذه الأفكار بأفكار إيجابية فمثلا عندما تزوركم الجارات أو الصديقات اللواتي تجدين حرجا في مقابلتهم، قولي لنفسك بصوت تسمعينه: ( ما الذي يجعلني خائفة؟ هل سبب خوفي ناتج عن شعوري بأن من أقابلهم لن يعجبهم كلامي أو تصرفاتي، وبالتالي سيكون حكمهم علي حكما سلبيا؟ أم السبب هو أنني أخاف أن يلاحظ الآخرين توتري فأبدو بمظهر إنسانة ضعيفة؟

إن هذا مجرد افتراض أو شعور يتملكني في مثل هذه المواقف فقط، لكنه ليس حقيقة، وأنا قادرة على تغيير هذا الشعور مثلما أنا قادرة على تغيير أي عادة سيئة عندي، وبدل أن أتفادى مقابلتهن فإنني سأدخل وأتعرف عليهن وأشاركهن الجلسة، حتى لو لم أكن قد تعرفت عليهمن من قبل، فأنا إنسانة ذات شخصية سمحة ومثقفة، وأتمتع بحضور جميل، وبالتأكيد سأجد الكثير من الأحاديث المفيدة التي يمكنني تجاذبها معهن، وقد أصادف منهن من طبعها قريب لطبعي واهتمامها يشابه اهتمامي فتنشأ بيننا صداقة دائمة ).

وهكذا - يا ابنتي- احرصي على استبدال الأفكار السلبية التي تكبلك وتجعلك تتفادين الموقف بأفكار إيجابية تشحن عزيمتك وتدفعك إلى الأمام لتقومي بمواجهة الموقف الذي تشعرين فيه بالتوتر، لكن بالطبع يجب أن يتم ذلك بطريقة متدرجة، وعندما تنجحي في أول محاولة ستجدين بأن خجلك وتوترك كان مضخما بسبب ما يدور في داخلك من أفكار، وهذه ستكون بداية لكسر الحلقة المفرغة التي تحيط بك من الخوف والتوتر ومن تجنب مخالطة الآخرين.

وإذا حدث أن أصابتك حالة الخجل أو التوتر خلال إحدى الجلسات فسيفيدك هنا أن تحاولي العمل على تشتيتها، فمثلا يمكنك خلال الجلسة القيام بعمل ما لمساعدة إحدى النساء الموجودات، كأن تعرضي عليها كوب ماء أو أن تحملي لها طفلها الصغير وتلاعبيه، أو أن تساعدي سيدة المنزل في تحضير الضيافة أو ما شابه ذلك من أعمال بسيطة، فالقيام بعمل لمساعدة الآخرين يؤدي إلى تنشيط بعض الغدد التي تفرز هرمونات لها تأثير يعاكس تأثير هرمونات الشدة، وهذا سيعطيك شعورا بالسعادة وسيزيد ثقتك بنفسك في تلك الجلسة، وبعد حدوث تجربة ناجحة أو إيجابية من هذا النوع معك فإنها حتما ستكون دافعا لك لتكرارها في المناسبات القادمة، وهكذا.

وتدريجيا ستشعرين بأنك أصبحت أكثر قدرة على التواصل وعلى مشاركة الآخرين جلساتهم وأحاديثهم.

وبالطبع - يا ابنتي - فإن الغيبة صفة محرمة، وأنت مدركة لذلك ومن حقك رفض الجلوس في مجالس الغيبة، فإن شعرت بأن الأحاديث بدأت تأخذ طابع الغيبة فأنصحك هنا بتقديم نصيحة عامة للجميع، لكن بطريقة هادئة ولبقة، فإن لم تجد نصيحتك أذن صاغية من قبلهم ( وهذا أمر مستبعد) فهنا كوني واضحة أمامهم، وقولي لهم بكل هدوء بأنك مضطرة لمغادرة الجلسة لأنك لا تريدين أن تغضبي الله عز وجل.

بقي أن أقول لك - أيتها العزيزة- بأنه يجب أن تقبلي بحقيقة أنه ليس بإمكانك كسب إعجاب ورضا كل الناس، لذلك حتى لو حدث أن بدت عليك بعض علامات التوتر والارتباك في جلسة أو موقفا ما، فلا بأس في ذلك، واقبلي بنفسك ولا تؤنبيها، فليس كل الناس ينتقدون ذلك أو يرون فيه عيبا أو مشكلة، بل هنالك الكثيرين ممن هم على قدر كبير من الوعي والرقي في التعامل، وقد لا يشعرونك بأي شيء غير طبيعي، وهؤلاء هم من أنصحك بصداقتهم.

وأسأل الله عز وجل أن يوفقك إلى ما يحب ويرضى.

مواد ذات صلة

الاستشارات