شبهة .. لم أهل المعاصي أغنياء وأهل الإيمان فقراء؟ وكيف ينصر الله أهل المعاصي؟

0 29

السؤال

السلام عليكم.

أحس بفتنة شديدة تجعلني أشك في إيماني وتديني، فأنا أرى في أغلب الأحياء والمناطق الراقية من يركبون السيارات الفارهة ويعيشون أفضل حياة هم أكثر الناس بعدا عن الدين، فأغلبهم علماني يشرب الخمور ونسائهم متبرجة عارية ولا يمثل الإسلام لهم غير كلمة في شهادة الميلاد، في حين المتدين والمحتشم مستواهم الاجتماعي في الطبقة المتوسطة بالكاد، وأغلبهم فقراء، فما تفسير ذلك؟ وكيف ينصر الله فئة تفعل المنكرات وتجاهر بالمعصية؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- في موقعنا، ونسأل الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح، والجواب على ما ذكرت:

لا شك أن أفعال الله تعالى في خلقه دالة على تمام الحكمة والعدل، فيجب الإقرار بهذا إقرارا جازما في النفس، وقد جاء في شرعنا بيان التفاوت بين العاصي والمؤمن الصالح في أمور الدنيا.

ثم اعلم -أخي الكريم- أن بسط الدنيا للعاصي أو الكافر ليس دليلا على أنه له كرامة عند الله، فليس الأمر كذلك، قال تعالى: "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن "[سورة الفجر]، ومعنى الآية: فأما الإنسان فمن طبعه أنه إذا اختبره ربه وأكرمه، وأنعم عليه بالمال والأولاد والجاه، ظن أن ذلك لكرامة له عند الله، فيقول: ربي أكرمني لاستحقاقي لإكرامه، وهذا غير صحيح، فمعلوم أن تلك النعم التي هم فيها إنما هي من مكر الله -عز وجل- بهم فيعطيهم من الدنيا ما يحبون، ويبسط لهم الأرزاق، فيغترون بإمهال الله لهم ويفرحون، ويستمرون في عصيانهم، ثم يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فقد جاء في الحديث عن عقبة بن عامر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج". ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} رواه أحمد.

وفي المقابل فإن المؤمن الذي تضيق عليه أموره في الدنيا أو يظلم، وليس هذا لهوانه عند الله تعالى قال تعالى: "وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن" [ سورة الفجر]، فالبلاء على المؤمن بالفقر إنما لينظر تعالى هل يصبر العبد المختبر أو يجزع فيقول ربي أهانن، أي أذلني فأفقرني، والأمر ليس كذلك، فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- وهو أكرم الخلق على الله كان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع وأثر الحصير في جنبه، ولا شك أن المؤمن له مزية عظيمة في الدنيا غير ما يكون له من منزلة عند الله في الآخرة، وهذه المزية أن الله اصطفاه ووفقه إلى طريق الهداية ووهبه الدين، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم" إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه" رواه أحمد، وقال أحمد شاكر إسناده صحيح.

وينبغي أن تفهم أن ما عليه العصاة من الترف ليس نصرا من الله لهم، ولا أن الفقراء المظلومين من الصالحين منهزمين، بل هذا استدراج كما تقدم معنا، وينبغي أن نزداد تمسكا بديننا وما نحن عليه من الخير، وهذه النعم لهم والبلاء علينا تنسى في لحظة في الآخرة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من الكفار، فيقال: اغمسوه في النار غمسة، فيغمس فيها، ثم يقال له: أي فلان هل أصابك نعيم قط؟ فيقول: لا، ما أصابني نعيم قط، ويؤتى بأشد المؤمنين ضرا، وبلاء، فيقال: اغمسوه غمسة في الجنة، فيغمس فيها غمسة، فيقال له: أي فلان هل أصابك ضر قط، أو بلاء، فيقول: ما أصابني قط ضر، ولا بلاء" رواه ابن ماجه.

وأخيرا: في بداية كلامك جاءت عبارة "أحس بفتنة شديدة تجعلني أشك في إيماني"، وهذه عبارة ليست حسنة ولفظ منكر، وفيه نوع من الاعتراض على قضاء الله وقدره، ولعلك لم تقصد هذا، ولكن أحببت أنبهك على خطورة الأمر، ولعلك بعد قراءة ما سبق الجواب عليه لن تصدر منك هذه الألفاظ مرة أخرى، فهي غير لائقة بمسلم، وعليك أن تقوي إيمانك بالله بطلب العلم الشرعي، ثم تحافظ على الطاعات والقربات، وتكثر من ذكر الله تعالى والاستغفار.

كان الله في عونك.

مواد ذات صلة

الاستشارات