السؤال
السلام عليكم ورحمة والله وبركاته
مشكلتي هي أنني عندما قررت الارتباط اخترت ابنة عمي، ولكن أبي معترض ورافض بشدة، وكثيرا ما أبلغته أنني متعلق بها حد الجنون، وسقت إليه الأقارب والأصدقاء حتى يقتنع، ولكنه مصر على موقفه بالرفض.
قررت أخذ أخوالي وإخوتي لخطبة بنت عمي طالما هذا حقي الشرعي في اختيار الإنسانة التي سأتزوجها، وصليت صلاة الاستخارة عدة مرات، إلا أنني ما زلت متعلقا بها، وبالفعل قد تمت الخطبة، ووالدي يتعمد فسخها بشتى الطرق، ويدعو علي جهارا ليلا ونهارا، حتى في الصلاة.
خطب لأخي وفرش له الشقة، وقال لي: ليس لك مكان هنا في بيتي، ولن أساعدك طول العمر، ولن أحضر معك في يوم زفافك، فهل هذا من العدل التفريق بين الأبناء في المعاملة؟ وكثيرا ما حاول عمي مصالحته إلا أنه رفض، والأدهى والأمر أنه رافض عمي وبدون سبب واضح.
أنا متعلق جدا ببنت عمي، فما هو الحل؟ لأنني تعبت نفسيا بسبب أبي، فهو شوه سمعتي أمام الناس بأنني عاق له، على الرغم أنني أبره دائما.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك ومرحبا بك - أخي العزيز -، أسأل الله أن ييسر أمرك، ويشرح للحق صدرك، ويفرج همك، ويرزقك التوفيق والسداد والزوجة الصالحة والسعادة في الدنيا والآخرة.
بصدد الرفض الشديد من والدك - حفظه الله - لزواجك من الفتاة التي تعلقت بها، فرغم تفهمي لمشاعرك ورغبتي في تحقيق زواجك المذكور لقوله صلى الله عليه وسلم: (لم أر للمتحابين مثل النكاح) رواه ابن ماجه وصححه الألباني، فالذي أنصحك به هو بذل الجهد اللازم في إقناع والدك وتوسيط بعض الأقارب ممن يتحلون بالقبول لديه والتأثير عليه، وبيان ما يترتب على زواجك بابنة عمك من المصالح الكثيرة، ودعم رغبتك أيضا بالاستخارة والدعاء وفقك الله لكل خير.
أما إذا كان والدك مصرا على رفض هذا الزواج على النحو الذي ذكرت، فالذي أنصحك به -وهو مقتضى الشرع والعقل والحكمة والمصلحة في الحال والمال- عدم المبالغة في التعلق بالفتاة المذكورة، وتقديم طاعة والدك والحرص على نيل رضاه؛ كون ذلك من أعظم الواجبات التي أمر بها الشرع ودلت عليها نصوص الكتاب والسنة، وحسبنا قوله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، فتأمل كيف أوجب الله تعالى طاعة الوالدين ولو كانا يجاهدانك على الشرك، وليسوا مجرد عصاة أو مشركين أو دعاة للشرك فحسب، كما وقد صح في الحديث: (رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وكما أن هذا حكم الشرع فهو ما يمليه علينا النظر في اعتبار العقل والحكمة والمصلحة، حيث إن الزواج بهذه الفتاة غير لازم وغير متعين، لما لا يخفى من كون الأمر مجرد عاطفة زائدة يمكن تجاوزها مع الأيام بالزواج بغيرها كما يحصل لكثيرين، كما أن الارتباط بها لم يتجاوز الخطبة، فلعل الله أن يعوضك عنها من تكون مثلها أو أحسن منها في مزايا الدين والخلق والأمانة وطيب العشرة والروح والأصل والجمال، وغيرها من المزايا التي ترغب بها وزيادة، كما وينبغي أن تكون معايير الزواج لديك ليست عاطفية فحسب، بل ومنطلقة عن اعتبار الشرع والمصلحة والواقع، قال الله تعالى: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله} [النساء: 34]، وقال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]، وقال الله تعالى: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} [البقرة: 221]، وقال تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} [النور: 32]، وقال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك؛ متفق عليه، وروى مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المرأة تنكح على دينها، ومالها، وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك.
مما يسهم في تخفيف أو زوال تعلقك الزائد بالفتاة المذكورة والانصياع لأمر ورضا والدك، احتساب ثواب الطاعة لوالدك، واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والاستخارة، وكثرة الذكر والطاعة والاستغفار، وحسن الظن بالله، والاستعانة به والتوكل عليه، وتعزيز الثقة بالنفس، وقوة الإرادة، وعدم المبالغة في التعلق العاطفي الزائد بما يشبه حالة العشق والهيام الموقع صاحبه في الأمراض النفسية والإخفاق والفشل في الدراسة والعمل والحياة الاجتماعية، سلمك الله من كل سوء ومكروه.
كما وأوصيك بالتخفيف من الضغوط النفسية بالترويح عن النفس بالمباح من النزهة والرياضة والزيارة ولزوم الصحبة الصالحة، وشغل الوقت والفراغ بما يعود عليك بالمنفعة والفائدة في دينك ودنياك وذلك بالاستمرار بالدراسة، والاهتمام بالعمل وتطوير الذات والمهارات، وتنمية الثقافة والقراءة ومتابعة البرامج المفيدة والماتعة.
أسأل الله أن يفرج همك، ويكشف عمك ويرزقك الزوجة الصالحة والحياة السعيدة والنجاح في حياتك عامة.
والله الموفق والمستعان.