أقوم بواجبي تجاه أمي ولكن لا أشعر بأنني أحبها!

0 30

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أنا فتاة عمري 18 عاما، أشعر في بعض الأحيان أنني لا أحب أمي، ولكن أفعل الواجب ببرها والإحسان إليها، ولا أعصي لها أمرا، وهي حقيقة لم تقصر معي بشيء، ولم تبخل علي، ولكن لا أشعر بأنني أحبها تارة، ومرة أخرى أقول لنفسي هي أمك يجب عليك محبتها، فهل المحبة واجبة؟ أخشى أنني قد آثم بذلك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Reema حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن العلاقة بين الأبناء والآباء هي من أول وأهم العلاقات التي يشعر من خلالها الطفل بالحب والطمأنينة، ومن خلالها يجد قيمته، ويتكون تقديره لذاته، لكن -وللأسف- ليس الجميع يعيش هذه العلاقة بشكل صحي وسليم، فالبعض قد تترك هذه العلاقة في أعماقه جرحا نفسيا عميقا يرافقه حتى الكبر، ويجعله يشعر بالألم والاستياء نحو والديه، وقد يكون الطفل مدركا وواعيا لما حدث له، وما يدور في داخله، أو قد يكون غير مدرك ولا واع لذلك، أي قد يكون واعيا للظروف التي سببت له الجروح والصدمات، أو قد تكون مدفونة في اللاواعي.

وبشكل عام عندما تكون طريقة تربية الأهل، وتعاملهم مع الطفل خاطئة؛ فإن هذا الطفل سيكبر وهو يحمل مشاعر سلبية في داخله نحو أمه أو أبيه، وقد يشعر بالكره لهما وهو لا يعرف سببا لذلك.

ومن الأمثلة على طريقة التعامل الخاطئة التي يمكن أن تؤثر على مشاعر الطفل مثلا:
قد يكون تعرض بشكل مستمر للعنف اللفظي أو الجسدي، أو قد يكون تعرض للإهمال وعدم الاهتمام بتأمين حاجاته، أو تعرض للاضطهاد والتمييز بينه وبين إخوته، أو شعر بأنه فاشل؛ لأنه لم يتمكن من تحقيق توقعات أهله منه، أو غير ذلك من التجارب المؤلمة والتي قد تبقى محفورة في ذاكرته، وترافقه بقية حياته.

وبما أن فترة المراهقة (وأنت الآن ما زلت في هذه الفترة) تترافق مع حدوث تغيرات شديدة في الهرمونات تؤثر على كل الجسم، فإن المراكز المسؤولة عن المشاعر والعواطف في الدماغ أيضا تتأثر، ولا غرابة من أن هذه الفترة من العمرهي من أكثر الفترات التي تكون فيها المشاعر غير مستقرة، بل ومتناقضة، خاصة نحو الأبوين، وقد لا تتبلور عواطف المراهق إلا بعد اكتمال نمو هذه المراكز الدماغية بشكل كامل.

وبشكل عام أقول لك - يا ابنتي-: من الطبيعي أن يشعر الإنسان ببعض المشاعر السلبية نحو أقرب الناس إليه على أثر سوء تفاهم أو خلاف، وفي أي مرحلة من مراحل العمر، لكن هذه المشاعر عادة ما تكون مؤقتة، وهي في العادة مجرد مشاعر غضب، لكن الإنسان يظنها مشاعر كراهية، والمشاعر طالما بقيت في داخل نفس الإنسان، ولم يعمل بها أو يظهرها فإن الإنسان لا يأثم عليها بإذن الله تعالى، والحمد لله الذي لا يحاسبنا على ما لا نملك ولا حيلة لنا فيه.

ومن الواضح - يا ابنتي- بأنك إنسانة ناضجة وعلى قدر عال من الخلق والدين، فقد ذكرت بأن أمك تعاملك معاملة جيدة، وأنك تحاولين أقصى جهدك برها، ورغم ذلك فأنت قلقة من مشاعرك الداخلية نحوها، والقلق هنا يعتبر علامة مطمئنة تدل على أنك مدركة لما يدور في داخلك من تناقض، وهذا بحد ذاته يدل على نضجك ومعرفتك بأهمية وجود الأم في حياتك، كيف لا وهي سبب وجودك في هذه الحياة، وهي باب من أبواب الجنة، وحقوقها عظيمة كما أمر الله بذلك في كتابة الكريم فقال:
(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)، وقال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، ولما سئل -عليه الصلاة والسلام-: من أحق الناس بحسن صحبتي؟ فقال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال أبوك.

وأنصحك بالتقرب إلى والدتك، والإقبال عليها، وحاولي التواصل معها ومساعدتها، واحرصي على أن تحيطيها بالرحمة وخفض الجناح، حيث قال تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)، ولا تقلقي لما يخالجك من مشاعر خارجة عن إرادتك، فهي ليست مشاعر حقيقية، بل هي أفكار يوسوس لك بها الشيطان، وعندما تراودك استعيذي بالله عز وجل من شر هذا الشيطان ومن نزغه.

أسأل الله عز وجل أن يوفقك إلى ما يحب ويرضى دائما.

مواد ذات صلة

الاستشارات