هل المشاكل والحوادث التي تحدث لنا سببها تقصيرنا؟

0 44

السؤال

السلام عليكم.

لدي استفسارات: هل يمكن أن يكون عدم التوفيق في بعض أمور الحياة أمرا عاديا، وعدم التوفيق هل هو أمر مقدر؟ مثلا هل الحوادث والمشاكل التي يتسبب فيها لنا البشر بتقصير منا أو بسبب قلة الانتباه أو الخطأ، هل تعتبر أسبابا لعدم حصولنا على مطلوب أو خير أو حتى حصول أذى لنا، أم أنها أمور مقدرة في اللوح المحفوظ ؟ وهل كان من الممكن وقوع عكسها؟ وهل لابد لنا من عدم الحزن على ما فات والندم عليها والشعور بتأنيب الضمير بشأنها وعدم قول كلمة "لو أني فعلت" أو لم أفعل ذلك الأمر لحصل غيره؟

لأنني تعالجت عند راق بالرقية والأعشاب، وأخبرني أن لا أغضب في تلك الفترة، فأكلت الأعشاب، وتحسنت حالتي كثيرا، لكن حدثت لي مشكلة، فغضبت كثيرا، وبعدها مرضت كثيرا، وكررت العلاج بالأعشاب مرتين، لكن حصلت لي أحداث سببها البشر، وغضبت رغم صبري، فلم أشف، بعدها تعالجت بالرقية فقط، فتحسنت، لكن بدأت أفكر في المشاكل التي وقعت عندما تعالجت وندمت على غضبي، فمرضت نفسيا من التفكير، مما اضطر بي للعلاج بالأدوية النفسية لمدة 7 سنوات إلى الآن.

بعدها أصبحت ألوم نفسي، ومن تسببوا لي في الغضب من البشر عندما تعالجت بالأعشاب ومرضت بسببهم، وأقول لو أني لم أغضب من قبل، أو لو لم يتسبب لي البشر في الغضب والأحداث لشفيت، ولم يحصل معي كل هذا، ولم أكن تعالجت بالأدوية النفسية لمدة طويلة، ولم أكن لأمرض بالوساوس، وأحيانا أقول أن الله أخر شفائي كي أتوب وأعمل صالحا؛ لأني قبل علاجي بالأعشاب لم أكن صالحا كثيرا، والله أعلم.

أرشدوني، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك –أخي الكريم– في استشارات إسلام ويب.

الإيمان بالقدر –أيها الأخ الحبيب– جنة الله تعالى العاجلة، فإذا آمن الإنسان بقدر الله الإيمان الصحيح عاش حياة مطمئنة هادئة، والإيمان بالقدر يعني أن تؤمن بأن كل الحوادث قد علم الله تعالى وقوعها قبل أن تقع، وأنه سبحانه وتعالى له المشيئة النافذة، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه سبحانه وتعالى كتب ما علمه من أمر هذه الحوادث، وهو مكتوب قبل أن تخلق السموات والأرض، وأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق وحده، فهو الخالق لنا ولأفعالنا.

هذا معنى الإيمان بالقضاء والقدر، فمن الإيمان بالقدر أن يكون الإنسان جازما أن كل ما أصابه من المصائب – أو غيرها – لا بد أنه سيصيبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار)) [رواه أبو داود رحمه الله في سننه، وصححه الألباني وغيره].

فهذه هي القاعدة الشرعية في هذا الباب، أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، فلا تفكر أبدا بأنه بإمكانك أن تتوقى من هذا القدر وأن تصرفه عنك، ولو فعلت ما فعلت، ولهذا أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ألا نقول (لو أني فعلت كذا لكان كذا)، وأن الإنسان يقول: (قدر الله وما شاء فعل).

وكل ما نتصرفه ونفعله من المواقف سواء عندما نوفق في الأخذ بالأسباب الصحيحة أو نعجز ونتوانى عن الأخذ بهذه الأسباب، كل ذلك هو أيضا بقدر الله تعالى، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل شيء بقدر حتى العجز والكيس)).

فإذا عرفت هذا عرفت أن ما أصابك من هذا المرض والبلاء قد قدره الله تعالى أن يصيبك، وأنه ما كان أبدا بالإمكان أن تصرف عنك هذا القدر ولو فعلت ما فعلت، فلا ترجع على نفسك بالمعاتبة واللوم، ولا ترجع على غيرك أيضا بالمحاسبة والمعاتبة، هذا قدر الله تعالى نافذ لا محالة، إنما وظيفة الإنسان أن يأخذ بالأسباب المشروعة بقدر استطاعته، ويفوض باقي الأمور إلى الله سبحانه وتعالى يقضي فيها ما شاء ويحكم بما أراد.

وهذه العقيدة الصحيحة – أيها الحبيب – التي دلت عليها آيات القرآن العزيز وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الكثيرة هي باب واسع للسعادة والطمأنينة والراحة النفسية، فإذا آمنت هذا الإيمان استرحت من كل هذه الوساوس التي تخالجك، وهذا التأنيب الذي تؤنب به نفسك، فإذا تيقنت أن ما أصابك سيصيبك لا محالة ولو عملت ما عملت، فحينها تدرك أنه لا محل لهذا التأنيب، ولا حاجة إليه، سوى إيذاء النفس وإدخال الكدر عليك، وهذا ما يحاول الشيطان الوصول إليه والسعي في سبيله، فإنه يسعى جاهدا بإدخال الحزن إلى قلب الإنسان المؤمن، كما أخبر الله تعالى بذلك في كتابه العزيز.

فاطرد عنك هذه الوساوس، واعقد هذه العقيدة الصحيحة في قلبك تسترح بإذن الله.

نسأل الله تعالى لك شفاء لا يغادر سقما.

مواد ذات صلة

الاستشارات