السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي اجتماعية، وهي انفصال والداي بدون طلاق، وذلك بسبب اختلاف وجدال بين أمي وأبي، وطرد أمي، حيث ذهبت إلى أخوالي، وأنا منذ أن فتحت عيني على الدنيا دائما ما أراهم يتجادلون، وحدثت الخلافات بينهما أكثر من خمس مرات، ولولا فضل الله لحدث الطلاق.
أما عن سبب الخلاف وانفصالهما:
فبسبب أن أمي بدأت بالشكوى من أهل أبي وجدي المريض، أبي يريد أن يحضر جدي المريض إلى بيتنا، والناس تزوره دائما، فبدأت أمي بالشكوى ورفع الصوت على أبي؛ لأنها لا تستطيع الطبخ لضيوف أبي، فغضب أبي غضبا شديدا على أمي وطردها من المنزل.
توسلت لأمي أن ترجع إلى بيتنا، ولكنها ترفض وتقول: لا أرجع أبدا، فهي تكره أبي بسبب تعبها من الطبخ وكثرة الضيوف؛ لأنها لوحدها تطبخ في المنزل.
كما أني قلت لأبي بأن يهون على نفسه من الغضب، وأن يتعوذ من الشيطان، فأنا أخاف أن يعلم الناس بذلك ويشمتون بنا!
لا أعرف ماذا يمكنني أن أفعل؟ وكيف أقنع أمي كي ترجع إلى المنزل؟
أحيانا أقول الحق مع أبي، لأنه ماذا يفعل هل يطرد الضيوف؟ وأحيانا أقول الحق مع أمي لأن أبي ظلمها منذ أن تزوجها إلى الآن.
أفيدوني ما الحل يرحمكم الله؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ داود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك – ابننا الفاضل – في موقعك، ونشكر لك هذا السؤال الرائع، الذي يدل على هم وهمة ورغبة في الخير، نسأل الله أن يجعلك سببا لعودة العلاقة بين والديك إلى أحسن أحوالها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح الأحوال، وأن يرد على جدك العافية، وأن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين.
لا شك أن مثل هذه الاحتكاكات تحدث، والحل هو أن يقدم كل طرف تنازلا، فالأم ينبغي أن تقدر موقف الأب، والأب ينبغي أن يدعمها معنويا، ويجتهد في مساعدتها، ويجلب لها من تساعدها ولو من العاملات على سبيل اليومية أو في ساعات محددة، حتى تعاونها في القيام بواجباتها في الخدمة.
ونحب أن نؤكد أيضا أن الدعم المعنوي للوالدة وتشجيعها وتقدير المجهودات التي تقوم بها سيكون له أثر كبير جدا في تحمل الوالدة للصعاب.
في نفس الوقت لا نستطيع أن نقول للأب لا تحضر والدك، فله حق، وحق الوالد عليه كبير، ولكن ينبغي أن يتحمل مع زوجته الآثار، ويجتهد في أن يخفف عنها جهده، ويحرص على اتخاذ كافة الوسائل التي تساعدها على استقبال الضيوف والقيام بواجباتهم، وله في ذلك عدد من الطرائق، بل يستطيع أن يقوم هو ببعض الواجبات التي يستطيع أن يعاونها بها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكون فيكم أنت أيضا معاشر الأبناء من يستطيع أن يساعد الوالدة، وحتى تقوم بمهامها على أكمل الوجوه.
والشريعة التي تأمر الوالد بأن يحسن إلى والده هي الشريعة التي تأمره أن يشفق على زوجته ويحسن إليها، ولذلك الوالد يطالب أن يراعي هذه الجوانب، كما أن الوالدة ينبغي أن تتذكر أن هذا والد زوجها ويصعب عليه جدا ويدخل في حرج شديد من الناحية الشرعية، وأيضا أخطار وآثار ضارة من الناحية الاجتماعية والنفسية إذا قصر في حق والده في هذا السن، وقد يحتاجه في أيام مرضه.
فالمسألة إذا تحتاج إلى عرفان بالجميل، وإلى تقدير للمجهودات التي تقدمها الوالدة، وإلى تعاون منكم ونصح للطرفين حتى يقدر الوالد – كما قلنا – فالمرأة دائما إذا تعبت تحتاج إلى دعم معنوي وتشجيع وتقدير لمجهوداتها، كما أن على الوالد أن يوفر لها الحب والأمان، حتى تعوضه بالتقدير والاحترام.
ونريد أن نقول: لابد لكل طرف أن يحترم أهل الطرف الآخر، فالإنسان دائما – الرجل أو المرأة – له عائلة وله أسرة ينبغي أن يحترموا، والاحترام ينبغي أن يكون متبادلا بين الطرفين.
دورك هو أن تحرص على التخفيف على الوالد، وبيان الأمور له بمنتهى الهدوء، ثم دعم الوالدة وتشجيعها، وإشعارها أن السعادة تكون في بيتها، بالإضافة إلى وعدها بأنكم ستقومون مساعدتها، واتخذ مع الوالد وتفاكر معه في السبل التي يمكن أن تعاونوا بها الوالدة، حتى تقوم بمهامها تجاه زوجها وتجاه الضيوف وتجاه الجد المريض الذي سيكون معكم في البيت.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف القلوب، وأن يستخدمنا دائما في طاعته، والوالد – كما قلت – لا يستطيع أن يطرد الضيوف، وفي نفس الوقت الوالدة لها طاقة، إذا عليك أن توفق بين هذين الأمرين، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف القلوب، وأن يصلح الأحوال، وهذه وصيتنا للجميع بتقوى الله تبارك وتعالى، ثم بالحرص على فعل الخير وحسن التعامل فيما بينهم؛ لأن الدين هو المعاملة، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.