عدم الاستقرار والعيش في مكان واحد يقودني إلى الحزن والاكتئاب

0 35

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أنا فتاة في كلية الطب البشري في السنة الثانية، لدي عدد من الاستشارات في موقعكم.

أولا: أشكركم وأشكر جهودكم على هذا الموقع، وسأعرض مشكلتي لكم، في السابق أرسلت لكم استشارة في عام 2019 عن حزني واكتئابي من الغربة عن أهلي، وإلى هذه اللحظة فإنني كلما ذهبت في الإجازة إلى أهلي أو زرت أقاربي ثم عدت للجامعة، أو عندما تزورني أمي في الجامعة ثم تسافر، أصاب بانهيار وعدم استقرار وبكاء، وغصة في حلقي، فأنا لا أستطيع الابتعاد عن أحبتي مهما حاولت.

أتأقلم قليلا ثم تأتي الإجازة وأسافر وعندما أعود يتكرر الشيء ذاته، شعور وضيق شديد يؤثر على صحتي كثيرا فمهما حاولت لا أستطيع، أتوقع بأن لدي اضطرابا في التكيف، فأنا أريد أن أبقى في مكان واحد وأتعود عليه وبالقرب من عائلتي ولا أغيره، أعلم أنه لا يوجد شيء كذلك، فالإنسان لا يعلم الأقدار ولكن كيف سأتخلص من هذا الشيء، فهل هو مرض وله علاج، أم ماذا؟

أحس بأن عقلي لا يستوعب كيف أكون في مكان وأتعود عليه ثم أذهب لمكان آخر، لا أستوعب ذلك أبدا، أنا منذ أن كنت طفلة كنت أتذكر كيف يموت الأشحاض وأبكي خوفا من موت وذهاب شخص عزيز، وكنت في المدرسة عندما أنتقل من مرحلة لأخرى أصاب باكتئاب، وعندما وصلت للثانوية كنت فجأة أتذكر الذكريات الحزينة وأبكي، ودخلت بعدها للجامعة وافترقت عن أهلي، والآن يحدث لي ذلك، أعيش وحيدة في السكن الجامعي، ربما عندما كنت عند أهلي كنت أفضل بسبب جلوسي معهم أنسى مشاكلي ولا أكون وحيدة، أما الآن فحالتي سيئة جدا وأهلي حزينون كثيرا.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الابنة الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك التواصل المستمر مع الموقع، ونسأل الله أن يعينك على التأقلم والتكيف، وفهم طبيعة هذه الحياة التي جبلت على كدر، ونحن نريدها صفوا من الأقذار والأكدار، ومكلف الأيام فوق طباعها متطلب في الماء جذوة نار. نسأل الله أن يصلح الأحوال، ويجمع الأحباب، وأن يلهمنا السداد والرشاد، وأن يستخدمنا فيما يرضيه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه على كل شيء قدير.

لا شك أن الإنسان يتأثر عندما يكون مع أهله ويبتعد، لكن هذا التأثر الطبيعي ينبغي أن يكون في حدوده المعقولة والمقبولة، خاصة وأنت فتاة، في نهاية المطاف ستنتقلين إلى حياة جديدة لتكوني أسرة، لذلك من المهم أن يفهم الإنسان هذه الحقائق وبهذه الطريقة وبهذا الوضوح، فكل إنسان يألف مكانا عندما يترك هذا المكان يتعب قليلا، لكن المطلوب أن يتكيف مع المكان الجديد، ولذلك نحن ندعوك أولا إلى أن تتركي الوحدة وتبحثي عن صديقات صالحات وزميلات فاضلات، والإنسان لابد أن يجد من هذه النوعية وإن كانوا قلة، لكن الصالحات موجودات، والطيبات موجودات، ودورك أن تبحثي عن أمثال هؤلاء لتكوني إلى جوارهن، والأوقات التي تكونين وحدك فيها ينبغي أن تشغلي نفسك بذكر الله أو بمذاكرة الدروس أو باكتساب هوايات، أو بالتواصل مع أهلك، أو بالتواصل مع موقعك وقراءة تجارب الآخرين، أو الدخول إلى الاستشارات والنظر فيها والتأمل، حتى يكتسب الإنسان خبرات.

حقيقة نحن نفضل دائما أن تكون لك صديقة صالحة أو صديقات، الأفضل أن يكون عدد من الصديقات الصالحات، حتى بعد الدراسة يمكن أن يكون التواصل عبر وسائل التواصل ومناقشة الدروس والأمور التي درست في الجامعة والحديث عن أخبارها، فإن هذا يخفف على الإنسان، وبقية الوقت تجتهدين في أن يكون للعبادة والذكر والإنابة والتلاوة فيه نصيب، ثم بعد ذلك تعطين جسمك حظه وحقه من الراحة، ثم تتهيئين لمستقبل يوم جديد وحياة جديدة.

أؤكد أن ذلك الشعور موجود، لكن الأمر عندك زائد عن حده، وهذا هو الذي يحتاج إلى وقفات منك وإلى معالجة، وإذا كان الأهل -ولله الحمد- أنت على تواصل معهم، وهم أحيانا يزورونك - كما فهمنا من الاستشارة - فالأمر سيكون هينا، وهي مدة محدودة، وستصبرين، وبعدها الثمار اليانعة، والإنسان لا يمكن أن ينال المعالي في تعليمه أو في حياته، أو ينجح في هذه الدنيا أو في وظائفها إلا بتضحيات وصبر، من هذه التضحيات ما يحدث من بعدك عن الأهل وبعد الأهل عنك، ويجب أن تشعري أيضا أن الأهل يتأثرون لبعدك، لكن تأثرهم الأكبر لكونك لم تتأقلمي، ونعتقد أن هذه الاستشارة بهذا الطرح وبهذا الوضوح يدل على أنك بدأت تعرفين موطن الخلل، ومعرفتك لموطن الخلل يحتاج إلى إرادة منك حتى تغيري وتصححي هذا الوضع.

وإذا كنت تتأثرين في مراحل انتقال من صف إلى صف ومكان إلى مكان: هذا من طبيعة الإنسان، أحيانا يغير مكان النوم فينزعج، لا يأتيه النوم بسرعة لأنه فقد المكان الذي يستريح فيه، حتى في منزله إذا غير مكانه من حجرة إلى أخرى أو مكان إلى مكان. ولكن طبيعة الإنسان أن يألف ويؤلف، أن يألف حتى الأماكن الموجودة حوله، حتى الأشياء والأحياء يتعرف عليهم ويألف هذا المكان الجديد.

ولذلك نعتقد أن الأمر يحتاج منك إلى قليل من المجهود بعد الاستعانة بالله تبارك وتعالى، وحاولي دائما أن تفهمي الحياة بوضوحها، لأن هذه هي طبيعة الحياة، طبيعة الحياة أن تجمع الناس ثم تفرقهم ثم تجمع ثم تفرق، وأيضا قد يكون لك صديقات صالحات تتأثرين عندما تفارقين الصديقات، لكن تكتسبين صديقات أخريات، ثم تدخلين إلى حياة زوجية تتأثرين في البداية لبعدك عن الأهل ثم تتأقلمين مع حياتك الجديدة، وهكذا تمضي بنا الحياة، وهذه سنن لا يمكن أن تتغير، ولذلك نحن الذين ينبغي أن نتكيف معها ونتغير معها.

لا تشغلي نفسك باجترار الأحزان وبحزن أهلك عليك، ولكي تتخلصي من هذا ننصحك أولا بكثرة الدعاء لنفسك ولأهلك، والأمر الثاني: شغل النفس بالمفيد قبل أن يشغلك الشيطان بغيره، وتجنبي الوحدة جهدك، وكوني دائما مع صالحات، وإذا لم يكونوا معك فبالتواصل معهن، كذلك أيضا ينبغي أن تكوني واقعية لفهمك للحياة وطبيعتها ومرور هذه الحياة بأهلها، ينبغي أن تكون الأمور بالنسبة لك واضحة، أيضا إدراك الغاية التي جئت لأجلها، فإن الوقت لا ينبغي أن يصرف في مثل هذه الأمور، لكن يصرف في الدراسة والجد والتفوق، وأعتقد لو أقبلت على الدراسة ونظمت وقتك وبدأت تتطلعين إلى المعالي فإن الوقت لا يكفي، كما قال ابن الجوزي: "بكى سلف الأمة بكثرة الفضائل وقلة الأوقات"، لكن الإنسان عندما يترك في ذهنه الاسترسال في هذا الفراغ وهذه الأمور السلبية فإن هذا يجلب له الأحزان، نحن نريد أن تأخذ كل قضية حجمها، والإنسان إذا أراد أن ينسى أشياء فإنه يتذكر أشياء أغلى وأعلى منها، وأغلى من كل هذا هو الأهداف والغايات التي خلقنا لأجلها، {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} أيضا شعورك بأن الأهل إنما أرسلوك لتتفوقي وتنجحي وتعودي بشهادات ومؤهلات، هذا ينبغي أن يدفعك لمزيد من الاجتهاد.

لا تقولي حالتي سيئة، ولا تنظري للوراء، ولكن انظري للجزء المليء من الكأس، واحمدي الله أنك اليوم أحسن من الاستشارات الماضية وأحسن ما كنت عليه، فأنت تتحسنين ولكن ببطء، والإسراع في هذا التحسن والتغير بيدك، فاستعيني بالله، وتوكلي عليه، واتخذي النصائح التي أشرنا إليها، واستمري في تواصلك مع موقعك، بل استمري في تقليب صفحات الموقع كلما مللت، من أجل أن تنظري ما عند الناس وما في الموقع من خبرات، ونسأل الله أن يوفقك وأن يرفعك عنده درجات.

مواد ذات صلة

الاستشارات