السؤال
السلام عليكم
أنا شاب بعمر 21 سنة، أدرس بالجامعة، ملتزم بواجباتي الدينية، وبار بوالدي، أمي توفيت منذ شهر، وتغيرت الحياة بعدها تماما.
أنا راض بقضاء الله، والموت حق، ولا أغلى من رسول الله، ولكن فقد أمي صعب علي جدا، كانت علاقتنا علاقة صداقة، وكنت أنوي أن أتخرج وأعمل وأسعدها، فقدت معنى الحياة برحيلها.
أنا أجتهد في دراستي، لدي طموح، ولكن همومي ازدادت، أخي بعمر 19 سنة، يسبب لنا المشاكل كثيرا، وتسبب في نقلنا من بيت إلى آخر، لدي 4 أخوات أصغر مني، أفكر كثيرا فيهن وأحمل همهن، وأفكر في أخي ومشاكله، وقد تحدثنا معه بكل الطرق، باللين والود والعنف، وندعو له بالهداية.
أفكر كثيرا فى مستقبل أخواتي، ويرهقني التفكير كثيرا.
لا أحب المشاكل وأشعر بتوتر، أعيش في رعب وقلق دائم، ولا أستطيع النوم، أشعر بضربات قلبي سريعة جدا منذ وفاة أمي، وليس في العائلة أحد قريب مني أستطيع أن أتكلم معه ويخفف عني، وليس لي إلا الله أدعوه وأشكو إليه.
لدينا بيت مبني، وأفكر كثيرا في مسألة الإزالة، وضياع تعب أبي، أفكاري سلبية، وهمومي كثيرة، وأحلامي مزعجة حول أخي وأبي، ويرهقني التفكير في تفاصيل كثيرة.
علما أنه لدي هدف دراسي، وأريد السعي والاجتهاد لأسعد أبي، وأتصدق لأمي، وأسعد أخواتي، والله يعلم ما في قلبي، ولكني مدمر نفسيا ومتعب، ولا أحب مراجعة الأطباء النفسيين، ولا أحب أخذ الأدوية، ولا أحب أن أشكو لأحد.
أريد منكم التوجيه فقط، لأني لا أعرف ماذا أفعل، وجود أمي كان يطمئنني قليلا، الآن خف وزني كثيرا وشحب وجهي من الحزن، حياتي مظلمة جدا، لا أستطيع أن أعيش تحت كل هذا الضغط، وخاصة أني لا أريد أن يشعر أبي وأخواتي بمشاكلي النفسية.
دكتوري الفاضل: أنا منهك تماما، وأشعر أن الموت قريب مني، وكتبت وصيتي، وأصبحت أحب الليل، لأني أضمن أن الناس نيام، ولن تحدث مشاكل.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في موقعك، نسأل الله أن يرحم والدتك، ونبشرك بأن برك لها لم ينقطع، وتستطيع أن تبذل لها الخير الكثير، ولن تستطيع أن تفعل ذلك إلا إذا كنت مصرا على النجاح والتوفيق، واعلم أن الأمر لله من قبل ومن بعد، ونسأل الله أن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين، وأن يحقق لنا ولكم السعادة بطاعته أجمعين.
لا شك أن هذه الاستشارة تدل على أنك كبير، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على حمل هذه الهموم، والأمر يسير إذا توكلت على الله واستعنت به ورضيت بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك في إكمال الدراسة والنجاح فيها، وهذا أول المفاتيح بعد توفيق الله في قيادتك لأسرتك بنجاح، ثم إن هذا الأخ الذي يحتاج إلى توجيه سيكون الآن فرصة التوجيه أكبر، فبين له وحاول أن تحمله بعض المسؤوليات، حتى يساعدك ويتحمل المسؤولية معك، وبين له أن الأمور تغيرت، وأن الوالد والأخوات الصغيرات وكل الأسرة بحاجة إلى خدماته، وفي غنى عن أية مشكلات أو صعوبات تواجه الأسرة.
بالنسبة للوالد أيضا: أرجو أن تعلم أن نجاحك في الدراسة وإقبالك على الله تبارك وتعالى فيه نفع للوالد، وفيه نفع للوالدة، وفيه نفع لمستقبل الأسرة، فتعوذ بالله من شيطان همه أن يحزن أهل الإيمان، الوالدة مضت إلى الله تبارك وتعالى ونسأل الله أن يرحمها ويكتب لها المغفرة، وأن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين، ستستفيد الوالدة جدا بنجاحك وطاعتك لربك تبارك وتعالى، وتنتفع أيضا بمساعدتك لأفراد أسرتك الوالد والإخوة، ونحب أن نؤكد لك أن هذه الأحزان ما ينبغي أن تأخذ أكبر من حجمها حتى لا تتحول إلى تسخط على أقدار الله تبارك وتعالى، وكلنا سيمضي بهذا السبيل.
نوصيك أيضا بأن لا تبكي على اللبن المسكوب، فإن البكاء لا يرد فقيدا، ولا ينفع الإنسان، وهو عمل سلبي إذا زاد عن حده، وكذلك أيضا لا تفكر في أمور لم تقع كما قالوا (لا تحاول عبور الجسر قبل الوصول إليه)، أنت تفكر مثلا في مسألة الإزالة، والإزالة لم تحدث، ولن تحدث بإذن الله تبارك وتعالى، ولو حدثت فإن الله سيقدر الخير، ينبغي أن ننظر إلى أقدار الله تبارك وتعالى على أنها الخيار الأفضل كما قال عمر بن عبدالعزيز:" كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار"، أي فيما يقدر الله تبارك وتعالى، ثم قال:" لو كشف الحجاب ما تمنى أصحاب البلاء إلا ما قدر لهم"، فلا ترهق نفسك بهموم وبأمور لم تحصل، ولا ترهق نفسك بأمور لا تستطيع أن تفعل فيها شيئا، واجتهد في فعل الخير من دعاء، واستغفار، ثم اجتهد في الدراسة لتوصلك إلى الصداقات وفعل الخيرات، واعلم أن الإنسان الناجح يستطيع أن يعاون وينتفع منه أهله الأحياء والأموات.
أنت لست بحاجة للذهاب إلى أطباء نفسيين، ولكنك بحاجة إلى أن تعود لرب العالمين، وتحرص على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأيضا ستجد التوجيه، ونكرر الترحيب بك في موقعك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخروج مما أنت فيه، لا تحاول أن تجلس وحدك، لأن الشيطان مع الواحد، فإذا ذكرك بالأشياء السالبة فتذكر الأشياء الإيجابية، وتذكر أن الموفق هو الله تبارك وتعالى، وتعوذ بالله من الأوهام أنك ستموت وأنك كذا، ليست قضية الإنسان أن يموت، لكن القضية أن يعمل حتى يموت، وأن يجتهد فيما يرضي الله تبارك وتعالى، وأن يفعل ما بوسعه في الحياة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يبعث فينا الأمل (إذا قامت القيامة وبيدي أحدكم فسيلة -شجرة، شتلة- فاستطاع أن يغرسها فليفعل)، اعط جسمك حقه من الراحة، والطعام، والنوم، واجتهد في طاعة الله.
اعلم أن الوالدة بحاجة إلى دعواتك، بحاجة إلى صدقاتك، ونشكر لك أيضا هذا الوفاء للوالدة، وهذا ابتلاء من الله تبارك وتعالى، "وعجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خير له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"، وأعجبني تذكرك لفقد النبي -عليه صلاة الله وسلامه- وهذا من السنة، لأننا عندما نتذكر فقد النبي -صلى الله عليه وسلم- تهون علينا كل المصائب، ونسأل الله أن يرحم الوالدة برحمته الواسعة، وأن يعينك على الوفاء لها ولوالدك ولإخوانك، ونحيي هذه الرغبة في الخير، ونتمنى أن تشغل نفسك بالأمور النافعة.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، ونكرر الترحيب بك في موقعك.