إذا كانت الحياة مليئة بالمشاكل والمصائب، فلماذا ننجب الأطفال؟

0 13

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

كيف يستطيع الإنسان النهوض من جديد بعد صدمة نفسية تلقاها، ويقف من جديد، ويعيد ثقته بنفسه، ويعود وينجح في حياته؟

(الصدمة النفسية حصلت لي عندما توظفت في شركة، ولم أستمر لأكثر من 4 أيام؛ لأنني شعرت بالخوف من الفشل).

إذا كانت الحياة مليئة بالمشاكل والمصائب، لماذا ننجب الأطفال؟ ونأتي بهم على هذه الدنيا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية.

أخي الكريم: أسئلتك فيها شيء من الافتراضية خاصة السؤال الثاني، لكننا قطعا نجيب عليها -إن شاء الله- ونحاول أن نعطيك ما نرجو أن يكون مفيدا.

أولا: الإنسان حين يصدم نفسيا الذي يحدث له هو أمر لا ينزع مهاراته، ولا ينزع مقدراته، ولا ينزع كفاءته منه، إنما القضية تتعلق بالمزاج، والمزاج عند الإنسان يتغير ويتبدل ويزيد وينقص ويتعسر ويبتهج ويفرح ويحزن، كل هذا وارد.

إذا – يا أخي الكريم – حين يمر الإنسان بصدمة أولا: إنما الصبر عند الصدمة الأولى، هذا هو المبدأ، والإنسان لابد أن يسترجع ويقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ولابد أن يحمد الله على كل حال، ويستعيذ بالله من حال أهل النار {والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}، ولابد أن يستغفر، ولابد أن يرضى بما قدر الله وقضاه؛ لأن ذلك من أركان الإيمان، وعليه أن يسأل الله تبارك وتعالى أن يعينه {إياك نعبد وإياك نستعين}.

هذا أول شيء، هذا باب الخروج من الصدمات، أن نتذكر أن هذه الصدمات هي تفاعلات وجدانية لا تزعزع في مهاراتنا، ولا في مقدراتنا، ولا في أخلاقنا، ولا في ثوابتنا، هي أمور عابرة تأتي وتذهب، هي ابتلاءات واختبارات، هذه النقطة الأولى كما ذكرت لك.

النقطة الثانية: أن الإنسان يجب أن يلجأ إلى ربه في نفس اللحظة، ويظل على ذلك: الاستغفار، الذكر، وأعلى درجات الذكر هي تلاوة القرآن، وتمعنه وتدبره.

بعد ذلك – أخي الكريم – لا بد أن يعالج الإنسان شيئا من الأسباب، إذا كان ذلك ممكنا، أنت الآن – يا أخي – ذكرت أنك قد فقدت وظيفتك بعد أربعة أيام، وشعرت بالخوف والفشل، لا، أنت موجود، إمكاناتك موجودة، ومهاراتك موجودة، والوظائف موجودة حتى وإن قلت، ورزق الله لا ينفد، وفضل الله واسع.

بعد ذلك يجب أن تتخذ خطوات عملية، – مثلا -: صلاتك يجب أن تكون في وقتها، أن تحرص على النوم الليلي مهما كانت الظروف، أن ترفه على نفسك بشيء طيب وجميل، أن تمارس رياضة، أن تجالس أسرتك، أن تذهب إلى صديق عزيز تحكي له من أجل التفريغ النفسي... هذه – يا أخي – هي الكيفيات التي يستعيد من خلالها الإنسان مقدراته التي هي أصلا موجودة ويخرج مما يسمى بالصدمة، ولا أنصح بأي علاج دوائي في مثل هذه الحالات.

سؤالك الثاني: إذا كانت الحياة مليئة بالمشاكل والمصائب لماذا ننجب الأطفال ونأتي بهم إلى هذه الدنيا؟
أولا: الإنجاب ليس أمرا اختياريا – أخي الكريم – الله سخر الإنسان لينجب من أجل عمارة هذه الأرض، هذا هو المبدأ الأول، والإنجاب مرتبط بالزواج، قال تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين}، مرتبط بكل هذا – أخي الكريم – وحقيقة الذرية عظيمة لذلك نحن ننجب {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}، كم من الناس يفرحون بذرياتهم؟!

أخي الكريم: الأبناء والذرية هي من مباهج هذه الدنيا، هي من زينة الحياة الدنيا، لذا ننجب، لنعمر الأرض، لنفرح بهم، ليكونوا سندا لنا، ومن قال أن الحياة كلها مليئة بالمشاكل والمصائب؟! المشاكل والمصائب موجودة، لكن الحياة أيضا فيها ما هو جميل، فيها ما هو طيب، فيها ما تحبه النفس وتتوق إليه، الحياة هبة وهبها الله للإنسان.

هذه هي فلسفة الموت والحياة وفلسفة الإنجاب – أخي الكريم – فأرجو ألا تطرح على نفسك مثل هذه التساؤلات الوسواسية المتشائمة، لا، الأمر في غاية البساطة، فقط استعن بالله ولا تعجز واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
+++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة د. أحمد الفرجابي الاستشاري التربوي والشرعي.
+++++++++++

مرحبا بك – أيها الأخ الفاضل – في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والحرص والسؤال، ونسأل الله أن يصلح الأحوال، وأن يحقق لنا ولكم في طاعته السعادة والآمال.

لا شك أن الدنيا كما قال الشاعر:
جبلت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام فوق طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار

لكن هذه الدنيا رغم ما فيها من صعاب هي المعبر الذي يوصلنا إلى رضوان الله تبارك وتعالى، والمؤمن في هذه الدنيا إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، وهو رابح في كل الأحوال، وفشل الإنسان اليوم لا يعني الفشل الدائم، ولكن يعني أن خيارات أخرى تنفتح أمامه، وما يقدره الله لنا أفضل مما نختاره لأنفسنا، فكم من إنسان حصل له موقف في الوظيفة أو في الحياة تحسر عليه وندم؛ ثم ظهر له أن ذلك كان خيرا له ومفتاحا وسببا لخيرات كثيرة، {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

ثق بالله، توكل على الله، واستعن بالله، ونفذ ما وصى إليك في إجابة مستشارنا النفسي، نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولك وله التوفيق والسداد.

أما بالنسبة لإنجاب الأطفال والمجيء بهم، فالأطفال هم زينة الحياة، وهم العون على الصعاب، ولولا هؤلاء الأطفال لمات الأمل، لولا هؤلاء الأطفال لما وجدنا من يعيننا في أيام كبر سننا وأيام ضعفنا. والإنسان أصلا مما يتقوى به على صعوبات الحياة وجود ناس حوله، وجود أبناء يعطوه الأمل، وجود شباب يكونون إلى جواره، وجود بنيات يكن عونا له على صعوبات الحياة، يمسحن الدمع ويخففن من الصعوبات.

الحياة تمضي بالناس بهذه الطريقة، ولذلك هم عون على كل خير، والإنسان ما ينبغي أن يغتم أو يهتم بأرزاقهم؛ لأنها بيد الله، كما أن الأرزاق كتبها الله ونحن في بطون أمهاتنا، والأمر ليس كما نظن، فقد يعتقد الإنسان أن هؤلاء الصغار عالة من أين يطعمهم؟ ولكن الحقيقة أنه ربما يأكل هو من أرزاقهم، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم)) يعني: نرزق نحن بذكرهم لله وبدعائهم له، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

طمأننا ربنا نحن معشر الآباء بقوله: {نحن نرزقكم وإياهم}، وقدمهم لما كان الخوف منهم في هذه الناحية والخوف من مثل هذه الأمور؛ قال: {نحن نرزقهم وإياكم}، فالله تبارك وتعالى يرزقنا ويرزق صغارنا، وهو الذي يدبر أمورنا وأمور الحياة، والإنسان المسلم ولله الحمد على خير في كل الأحوال، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له)).

نحن ننجب الأطفال؛ لأنهم زينة الحياة، ننجب الأطفال؛ لأن النبي أرادنا أن نكثر السواد من الموحدين والمصلين فقال: ((تزوجوا الودود الولود، إني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة))، وننجب هؤلاء الصغار؛ لأنهم غدا كبار، وغدا هم عون لنا، وبهم ننال الخير، ولذلك كان كثرة الولد ووجود الولد من المفاخر، كما امتن الله على بعض الأشقياء الذين حاربوا دينه؛ وقال له: {وبنين شهودا}، امتن عليه بأن الله رزقه عددا من الأبناء الذين يفاخر بهم في المجالس، ويشكلوا له الحماية، ويشكلوا له الوجاهة.

إنجاب الأطفال فيه الخير الكثير رغم صعوبات الحياة، والحياة بحلوها ومرها تمضي بالناس، بوجود أبناء وبدونهم، والمؤمن مأجور في كل الأحوال إذا تعامل مع الدنيا وفق المنهج الذي أراده الله تبارك وتعالى.

نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، ونسأله تبارك وتعالى أن يرفع الغمة عنا وعن الأمة، وأن يرفع البلية عن البشرية، وأن يجعلنا ممن يرضى بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، وتلك هي السعادة، فالسعادة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، المواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته.

وفقك الله وشكرا على هذا السؤال، وتحياتنا لك، ونرحب بك في موقعك.

مواد ذات صلة

الاستشارات