كيف يشعر الشخص باليقين والغاية من وجوده؟

0 26

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

تعرضت منذ عدة سنين لمواضيع اللادينيين وأفكارهم، وكنت صغيرا في ذلك الوقت، وكان الأمر مرعبا وأدخل الشك والفزع وعدم الطمأنينة على قلبي، لكن -بحمد الله وفضله هدايته- استطعت التوصل إلى أخوة وكتب أعادوا لي طمأنينة قلبي ويقيني بالإسلام.

منذ قرابة السنة أو أكثر قمت بقرار مفاجئ، قررت أن أبدأ بالصلاة والالتزام تماما بطاعاتي، والإقلاع عن المعاصي التي كنت أرتكبها، وحينها هاجمتني الوساوس العقدية، وأدخلتني في حالة اكتئاب حاد، فعدت إلى الفواحش وترك الطاعة، وأصبحت أسوأ حالا مما بدأت، حتى بدأت أفكر في الانتحار، وفي النهاية لم أقدر.

بعد عدة شهور أخرى -منذ ثلاثة شهور تقريبا- قررت الالتزام مجددا، -وبفضل الله- لم أضيع ولا صلاة منذ تلك المدة، وتقريبا استطعت القضاء على الوساوس.

مشكلتي الآن أنني أمر بحالة فراغ وجودي، وقد بدأ التزامي يضعف قليلا، وتركت قراءة القرآن والأذكار، ورغم استعادتي لإيماني بديني إلا أن فطرتي قد تشوهت تماما، وأصبحت لا أشعر باليقين، وبدأت أفقد الأمل في أن يراودني مجددا.

أنا شخص محب للعلوم الشرعية وأود الالتزام بدراستها، ولكن أهوائي ووساوسي تحرمني كل مرة من القراءة، أشعر بفراغ روحي وعدم يقين ثابت وهدف واضح لا أدركه ليبقيني على قيد الحياة، ولا أعلم حقا ماذا أفعل؟

أعتذر جدا عن الإطالة، ولكنني حقا أحتاج لمن أستشيره ليوجهني وينصحني، ولا أعلم لمن ألجأ؟

بارك الله فيكم وجزاكم خيرا، وشكرا مقدما على الإجابة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

أعتقد أن الذي حدث لك هو نوع من القلق والتوتر، المصحوب بشيء من الأفكار الوسواسية، وطبعا أنت في هذا العمر -في عمر اليفاعة- لا بد أن تكون هنالك تغيرات كثيرة جدا (تغيرات بيولوجية، تغيرات وجدانية، تغيرات نفسية) فيسهل الانجراف إلى أي اتجاه: تدين، يمكن أن ينجرف الإنسان في هذا الطريق، الابتعاد عن الدين يمكن أيضا للإنسان أن ينجرف في هذا الاتجاه، وهكذا؛ لأن النفس لم تتكون بضوابطها الكاملة، وهناك هشاشة، هنالك قلق، هنالك توتر، وهنالك سرعة تأثر، وهنالك مشاكل هوية ومشاكل انتماء، وأنا أطمئنك أن هذه المراحل هي مراحل عابرة في حياة الناس، والناس تتفاوت في درجة تحملها لهذه التغيرات.

أنا أنصحك بالوسطية، الوسطية في كل شيء، الآن أنت مطالب بأن تجتهد في دراستك، هذه نصيحتي الأولى لك، اجتهد في دراستك، ونظم وقتك، واجعل لنفسك آمالا وطموحات أكاديمية تساعدك في المستقبل، هذا هو الأمر الأول.

أما بالنسبة للدين فحافظ على الصلاة في وقتها، واقرأ وردا قرآنيا يوميا، واحرص على الأذكار، واحرص على نوافل الصلاة، واحرص على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم الاثنين والخميس، وثقف نفسك وتفقه في الدين، وخالق الناس بخلق حسن، {وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}، وكن بارا بوالديك، واحرص على أذكار الصباح والمساء والأذكار الموظفة في اليوم، لا أعتقد أنك في حاجة أكثر من هذا.

أيضا يجب أن تمارس رياضة، الرياضة تساعد حقيقة في التخلص من كل الطاقات النفسية السلبية، أنت مشحون بطاقات نفسية سلبية كثيرة، أنت نفسك اللوامة ونفسك الأمارة بالسوء يتصارعان وبعنف شديد، لأن الاحتقان النفسي لديك كبير، فالرياضة سوف تمتص كل هذا.

النوم الليلي المبكر، عدم النوم بالنهار، الصحبة الطيبة، بر الوالدين، هذا هو الذي تحتاجه، وأنا حقيقة آلمني كثيرا أنك خضت في مواضيع اللادينيين والملحدين والإلحاديين، يا أيها -الابن الكريم-: ما الذي أدخلك في هذا؟ هذا سوف يثير لديك الشك والتوتر والوسوسة واللايقين، ابتعد عن هذا تماما.

أرجو أن تتبع ما ذكرته لك من إرشاد، وفي ذات الوقت أريدك أن تذهب وتقابل طبيبا نفسيا، لأنك محتاج لأحد الأدوية المضادة للوساوس، ونسبة لعمرك نحن لا نصف أدوية إلكترونيا في مثل سنك، دواء بسيط مثل الفافرين سيكون مفيدا جدا بالنسبة لك، فأرجو أن تذهب إلى الطبيب، وقطعا سوف يقدم لك المزيد من الإرشاد، ويصف لك الدواء المطلوب، والذي أنا متأكد تماما أنه سوف يساعدك كثيرا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور: محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي، وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي: مستشار الشئون الأسرية والتربوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قد أفادك الأخ الفاضل الدكتور محمد بنصائح قيمة وتوجيهات عظيمة ستحدث أثرا كبيرا في حياتك إن أنت أخذت بها، وأخذتها مأخذ الجد، وجاهدت نفسك لتطبيقها، ونزيدك من الناحية الشرعية أن هذه الوساوس التي تهجم عليك لا تضرك في دينك بإذن الله تعالى، فكراهتك لهذه الوساوس ونفورك منها وخوفك منها ومن آثارها دليل على وجود الإيمان في قلبك، إذ لا يمكن أن ينزعج القلب ويضطرب ويخاف لو كان مصدقا بمقتضى هذه الوساوس، فهذه -إن شاء الله- علامة على حسن إسلامك، ولكن لا يجوز أبدا أن تستسلم لهذه الوساوس، والتخلص منها أمر سهل يسير بإذن الله إذا أنت أخذت بالأسباب.

أول هذه الأسباب: أن تلجأ إلى الله -سبحانه وتعالى-، وأن تستعين به، وأن تستعيذ به، وتكثر من قراءة المعوذتين، وتحافظ على الأذكار، وخاصة الأذكار الموظفة خلال اليوم والليلة، يعني: أذكار الأوقات المحددة، كأذكار الاستيقاظ والنوم والدخول والخروج من الحمام، وأذكار الصباح والمساء، ونحو ذلك، فإن ذكر الله تعالى يطرد عنك الشيطان.

الأمر الثاني: أنه يجب عليك أن تنصرف عن هذه الوساوس عندما تهجم عليك، فتشتغل بأي شيء آخر، فإذا فعلت هذا فإنك بإذن الله تعالى ستشفى من هذه الوساوس، هذه النصيحة الأولى.

النصيحة الثانية: أن تحافظ على صحبة صالحة، فإن الرفقة الصالحة تجر الإنسان إلى ما فيه الخير له، والصاحب ساحب – كما يقول الحكماء – والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المرء على دين خليله)، فأنت احرص على صحبة الصالحين، واقض أوقاتك الكثيرة معهم، وخاصة أوقات الفراغ، وبهذا ستجد من يقوي عزيمتك على الطاعة، وستسلم أيضا من انفراد الشيطان بك والتلاعب بك من خلال أنواع الشبهات التي يوردها عليك.

لا تيأس ولا تصدق ما يحاول أن يمليه الشيطان عليك بأن فطرتك قد تشوهت، بل كن على يقين أنك إذا رجعت إلى الله فإنه سبحانه وتعالى سيكرمك بكرامات لا حد لها ولا حصر، فالله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من الشخص الذي كان في أرض فلاة (صحراء) ومعه ناقته وعليها طعامه وشرابه، وفجأة ضلت منه هذه الناقة، فنام تحت الشجرة ينتظر الموت، فبينما هو كذلك إذ جاءت هذه الناقة فوقفت على رأسه وعليها الطعام والشراب، فمن شدة الفرح يقول: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك)، الله تعالى أشد فرحة بتوبة الإنسان المسلم من هذا الرجل بعودة ناقته إليه، وهذا معنى حديث طويل أورده النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان فضيلة التوبة، فكن على يقين وثقة أن لك ربا رحيما ودودا يتودد إليك بأنواع النعم، فلا يليق بك أن تريه منك مكروها، وأن تتخلف عما يحبه ويحب أن يراه منك.

أما ما تشعر به من الفراغ فهذا ملؤه بما ذكرنا، ملؤه بالطاعات، فإذا ملأت أوقاتك بالأشياء النافعة من دين أو دنيا فإنك ستتغلب على هذا الشعور، والعجيب أنك وصلت إلى مرحلة تقول فيها أنه لم يعد لديك هدف واضح، وهذا أيضا بسبب الفراغ الذي يقتلك، وانعدام الجلوس مع الأصحاب الطيبين، وعدم قراءة القرآن والتدبر فيه، وإلا فوظيفتك هي الاستعداد لدخول الجنة، الله تعالى خلقك ليكرمك، وأوجدك في هذه الدنيا لتتأهب وتستعد لدخول الجنة، فهذه الحياة فترة قصيرة ولكنها خطيرة، ومهمة، فعليها يترتب المستقبل الأبدي الذي لا ينقطع، فبعد الموت حياة لا تنقطع، مبنية في سعادتها أو شقاوتها على عمل الإنسان في هذه الحياة، فهل يصح بعد هذا أن يقول الإنسان المؤمن: ليس لي هدف واضح؟

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يأخذ بيدك إلى طاعته.

مواد ذات صلة

الاستشارات