السؤال
السلام عليكم.
أنا أعاني من المشاكل مع أهلي، فمهما حاولت واجتهدت لا أجد الحب منهم، فأمي تجعل أخواتي يتنمرون علي منذ أن كنت صغيرة، وتستهزىء بي أمامهم، وتحاول أن تقلل من قيمتي، لا تناديني باسمي أبدا، فهي تناديني بأسماء مهينة، مع العلم أنني كنت دائما أحاول أن أكون عند حسن ظنها، مجتهدة في شغل البيت، لا أترك ما بدأت به إلا على أكمل وجه، ومجتهدة في المدرسة لكي تفتخر بي أمام الناس.
تخرجت في كلية الهندسة، وصارت تستهزىء أكثر وتقول لي: إن شهادتك مستواها ضعيف، وعندما قدمت على التعيين حرضت علي والدي وجعلته يسحب التقديم، ودائما أرى محادثاتها مع أختها (خالتي) تقول لها: إني أغار من أخواتي (والله إني ما فكرت في حياتي أن أغار منهن) فهي تكرهني وتتمنى أن أتزوج إنسانا سيئا أو أبقى عانسا حتى تشمت بي.
فأنا ممنوعة من الخروج من المنزل، والشغل، ومن شراء الملابس، وإذا فكرت أن أذهب عند أختي المتزوجة ترفض؛ لأنه لا يوجد من ينظف أو يعمل الأكل، فهذه الإهانات والأذية جعلتني أفقد وأكره نفسي، ودائما أفكر أن الحل الوحيد هو الموت الذي يخلصني من كل هذا العذاب، لا أعرف كيف أمارس حياتي بشكل طبيعي، فأنا أبكي كل يوم، مع أنني أصوم دائما، وأقرأ القرآن وأدعو الله أن يهديهم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ شمس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ابنتي الغالية: رعاك المولى، اتفق الفقهاء على مشروعية العدل بين الأولاد في العطية، والنظر إلى جميع الأبناء بعين الرضا التي لا تميز بين واحد وآخر؛ لأن تفضيل بعضهم على بعض يورث البغضاء والعداوة فيما بينهم، قد يكون هناك بعض الأهل يفضل أحد أبنائه على الآخرين؛ والسبب اختلاف طبائع الأبناء؛ فهذا يحنو على والديه، وآخر يلبي احتياجاتهم، ولكن خطورة التفضيل قد تسبب حدوث مشاكل نفسية مثل: الكره والجفاء والغيرة بين الإخوة؛ وهذه هي مشكلتك مع والدتك كما ذكرت خلال استشارتك، وهنا أقول لك بنيتي: إن الله خلق الأم منبعا للرحمة، والحنان على أولادها، فبر الأم يعد من شكر الله تعالى، حيث قال جلا وعلا في الحديث القدسي: "أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته"، هذا في الرحم، فكيف بالأم التي كانت سببا في وجودك، وصاحبة الفضل عليك بعد الخالق؟!
صحيح أننا لا نجد العلاقة بين الأم وابنتها دائما على ما يرام، وكثيرا ما نجد المنغصات والخلافات التي لا تخلو منها البيوت، وبالمقابل يجب علينا أن لا ننسى أن هذه الأم هي التي حملت وربت، وأرضعت وسهرت من أجلنا؛ لذلك علينا ان نتذكر أن الحياة قصيرة، وأصحابها راحلون.
عليك أن تعذري أمك؛ فربما هي تتعرض لضغوط معينة فتسقطها على من تحب؛ لذلك لا تجعلي وساوس الشيطان تحرمك من حنان أمك وتبعدك عنها، ولا تستسلمي لفكرة أنها تكرهك؛ فهي أكثر البشر خوفا عليك وحبا لك.
وأقول لك أيتها الابنة الكريمة: الابتلاء بهذه المعاملة من قبل والدتك ليس هينا، لكن الأجر عظيم، وبالنسبة إلى شعورك بأن أمك لا تحبك منذ طفولتك، ولم تكن تعتني بك كما يجب، ولم تلبي احتياجاتك الصحية والنفسية؛ اعلمي بنيتي أن الأم لا تكره أبناءها قط؛ هذا أمر مستحيل، وغدا ستصبحين أما وتدركين معنى هذا الحديث، لكنها ربما من الأمهات اللواتي لا يعبرن بشكل سليم عما يختلج صدورهن، أو عاشت في بيئة ترى هذا الأمر طبيعيا، وهذا منتشر في الكثير من البيوت، وهذا أمر غير مقبول وصحي أبدا، أو أنك تفسرين بعض الأمور على غير تفسيرها، فلابد لنا أن نفترض كل شيء حتى نعالج المشكلة.
أنت -والحمد لله- بنيتي فتاة متعلمة، وتخرجت من كلية الهندسة، كما أنك مثقفة ومدركة وواعية، وكل ما عليك هو أن تميزي أمك عند حديثك معها بالمزيد من الاحترام، ومهما اختلفتما في وجهات النظر؛ فلا ترفعي صوتك عليها، وتذكري قول الله جل وعلا: "وقل لهما قولا كريما"، فاحترام الوالدين من البر، وتذكري قوله تعالى: "فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما"، والأهل في العادة لا يكرهون أولادهم؛ هذا مما زرعه الرحمن في قلوبهم، والله عز وجل أوصى الأبناء وحثهم على البر بوالديهم وليس العكس؛ وهذا لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.
وذكرت خلال استشارتك:" ودائما أرى محادثاتها مع أختها (خالتي )، وهنا أقول لك –عزيزتي- أن تفتيش الفتاة لهاتف والدتها أو لهاتف أي شخص آخر، يعد سلوكا غير أخلاقي، وغير شرعي، وقد وردت النصوص الشرعية بالنهي عن تجسس المؤمنين على بعضهم "ولا تجسسوا"، لأنه يفضي في حالات عدة إلى خلافات لا تحمد عقباها، ويساعد على تنمية المشاعر السلبية تجاه الأم والأسرة، وينتج عنه غياب السعادة الأسرية، وزيادة القلق والتوتر داخل المنزل، وكثرة الشجار بين العائلة.
قلت لنا :"أنا أصوم ودايمه على صلاتي، وأقرأ قرأن ودائما ادعيلهم الله يهديهم"
ونحن نقول لك: داومي على هذا وتتبعي هذه الخطوات، واجعلي قلبك يفيض حبا وحنانا واحتراما للأم التي ارتبط رضاها برضى الرحمن:-
*الأم أجمل كنز وأول علاقة إنسانية لك في الحياة، فاجعلي البر معها هدفك، واصبري على الخلاف مهما كان ومهما فعلت بك، وحاولي أن تجدي المبررات لها.
*واصبري وصابري عليها مهما تلفظت من شتائم أو فعلت أي شيء لم يعجبك، وتجنبي كل ما يسيئ لأمك من رفع الصوت أو الجدال.
*كوني على مسافة واحدة من أخوتك وقريبة من مشاعرهم، وعادلة وموضوعية عن الخلاف، واحترام أسرارهم إذا ائتمنوك عليها.
*تقربي من رب الأرض والسموات، استمري وداومي على الدعاء والتضرع إلى الله أن يؤلف بين قلبك وقلوب أمك وإخوتك.
* عاودي التواصل مع أمك وأخبريها كم أنت بحاجة للخروج والعمل كمهندسة، ولا تيأس وتحدثي مجددا ومجددا مع والدك ويمكنك الاستعانة بمن له مكانة ورأي عند والدتك"خالك- عمك- جدتك ...الخ" من أجل محاولة إقناع والدتك، ولكن لا تنسي أن اختيار الوقت المناسب للتحدث لهو أمر مهم جدا.
وأخيرا: يقول الحارث المحاسبي: "لكل شيء جوهر، وجوهر الإنسان العقل، وجوهر العقل الصبر"، ويقول مصطفى السباعي: "ولا ينمو العقل إلا بثلاث: إدامة التفكير، ومطالعة كتب المفكرين، واليقظة لتجارب الحياة".
أسأل الله لك الهداية والتألق والتميز، وأن يسود التآلف والانسجام حياتكم.