هل يجب على الإنسان أن يبحث عن آراء الناس فيه ويصححها؟

0 31

السؤال

السلام عليكم.

أجد نصائح كثيرة بأن لا يهتم الإنسان بكلام الناس، ثم أجد السيرة النبوية بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخاف من كلام الناس - حسب فهمي- مثل: على رسلكما إنها صفية، فهل يجب على الإنسان أن يبحث عن آراء الناس فيه ويصححها؟ إذن كيف تستقيم الحياة بهذا الشكل؟

أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال في حديث: لئلا يقولوا أن محمدا يقتل أصحابه، أو لئلا يقولوا أن محمدا يغزوا بامرأة، لماذا كل هذا الاحتساب لكلام الناس؟ أليس من المفترض أن يعامل الإنسان ربه ويسعى لمرضاته؟ ولا يفكر بالقيل والقال؟ أليس من الأولى أن يفكر المسلم بحديث: إن الله إذا أحب عبدا وضع له القبول في الأرض؟ أو حديث: إن مدحي زين وذمي شين، فقال له النبي ذاك الله عز وجل.

فأحاديث النبي الأولى تقول: بأن المتحكم في سمعة الإنسان هو كلام الناس، أما أحاديث مدحي زين وذمي شين، وحديث جبريل يوضع له القبول في الأرض تقول بأن المتحكم في سمعة الإنسان هو رضا الله.

أرجو فك هذا التعارض.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك – أيها الأخ الحبيب – في استشارات إسلام ويب. نسأل الله أن يفقهنا وإياك في دينه. نشكر لك تواصلك معنا.

وسؤال المسلم عما يشكل عليه أو ما يتعارض في ظنه من نصوص الشرع أمر متعين على الإنسان، فالسؤال شفاء العي، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والعي يعني الجهل، فشفاء العي السؤال. وهذا الإشكال الذي ذكرته في سؤالك – أيها الحبيب – هو في الحقيقة إشكال بدا لك أنت، وظهر لك أن ثمة تعارضا بين ما ذكرت من الأحاديث، والحقيقة أنه لا تعارض بينها.

الحقيقة أولا – أيها الحبيب – هي أن الإنسان عليه أن يعتني بإرضاء الله تعالى، وأن يجعل عمله كله في رضا الله، وألا يبالي بالناس إذا كانت المبالاة بهم داعية إلى الوقوع في معصية الله تعالى، فمن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله تعالى عليه وأرضى عليه الناس.

فهذه هي الحقيقة، ولكن هل هذا يعني ألا يحسب الإنسان حسابا لكلام الناس مطلقا؟ الجواب: لا، فهناك أحوال تعرض تقتضي من الإنسان أن يحسب حسابا لكلام الناس، ليس لطلب رضاهم، ولا لطلب الرفعة عندهم، فليس الباعث هو هذا، وإنما هناك بواعث صحيحة تدعو الإنسان إلى الاعتناء بكلام الناس عنه، أول هذه البواعث ما ذكرته أنت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: ((على رسلكما إنها صفية))، فهذا قد بينه النبي عليه الصلاة والسلام، ولماذا قال لهما ذلك؟ وأراد منهما أن يعرفا من هذه المرأة التي كان واقفا معها، فقال لهما: ((إنها صفية)) يعني زوجته عليه الصلاة والسلام.

ثم لما سأله الرجلان عن ذلك عن قوله لهما: (على رسلكما) وأنه لم يتطرق إليهما شك في النبي صلى الله عليه وسلم، بين النبي صلى الله عليه وسلم سر اهتمامه بهذا، وأنه ليس من أجل شخصه هو، ولكن المصلحة كانت عائدة إليهما، وذلك أنهما إذا ألقى الشيطان في قلبيهما شيئا من الشك هلكا، فإذا شكا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع الهلاك لهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم من تمام رحمته وشفقته قال هذه الكلمة؛ حتى لا يجد الشيطان طريقا إلى قلبيهما، وبين لهما النبي صلى الله عليه وسلم بصريح العبارة، فقال: ((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا)).

فهذا هو الباعث على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بما يعتقده هذان الرجلان فيه في ذلك الموقف.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم عند امتناعه من قتل من يستحق القتل من المرتدين المنافقين، يعني: لما يقول: (أخشى أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) فهذا أيضا ليس استجلابا لرضا الناس، ولكنه عليه الصلاة والسلام يخشى أن يقع في قلوب الناس شيئا يمنعهم من دخول الإسلام، فيخشى من المنافقين وأعدائه أن يبثوا عنه دعايات كاذبة وأنه يقتل أصحابه، فيمتنع الناس من اتباعه ودخولهم في دين الله تعالى تحت تأثير الدعايات الكاذبة، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يغلق الباب أمام هذه الدعايات الكاذبة.

وهكذا إذا تتبعنا – أيها الحبيب – المواقف والأحاديث النبوية الواردة في هذا الشأن ستجدها تدور حول المصالح التي يتواخاها النبي صلى الله عليه وسلم من وراء موقف بعض الناس.

أما الذي يرفع ويخفض حقيقة هو الله سبحانه وتعالى وحده، ولهذا الرجل الذي جاء – وأنت ذكرت حديثه – قال: (مدحي زين وذمي شين) قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ذاك الله تعالى)).

فإذا – أيها الحبيب – كلام الناس عن الإنسان في حد ذاته شيء طيب إذا كان بذكر حسن، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم ((عاجل بشرى المؤمن))، فإذا تحدث الناس عنك بخير فهذه علامة على أن الله سبحانه وتعالى وضع لك القبول، وهذا القبول بسبب رضا الله تعالى عن هذا الإنسان الذي وضع له القبول.

فلا حرج على الإنسان إذا فرح حين يسمع ثناء الناس عليه في الخير، ولكن الممنوع هو أن يتعرض هو لذلك، وأن يعمل أعمال الآخرة من أجل ذلك، فهذا هو الذي حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم.

أضف إلى ذلك – أيها الحبيب – أن ما عدا الأمور الدينية وما عدا القربات فإن من كمال الإنسان وكمال مروءته ألا يخرج عن النظام العام في المجتمع، ولهذا يعد من المروءة، والمروءة معناها: اكتمال الرجولة، مأخوذة من المرء، المرء: يعني الإنسان أو الرجل، فالمرء كامل المروءة هو من يراعي القوانين والأعراف التي يجري عليها المجتمع، فاستخفافه بالأعراف والقوانين دليل على قلة حيائه، فإذا كان الإنسان يحفظ أعراف مجتمعه وتقاليد مجتمعه ولا يخرج عليها فهذا دليل على وجود الوقار والحياء فيه، فهذا محمود مرغوب، ولا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يخرم مروءته؛ لأن ذلك عنوان على قلة في حيائه.

إذا فهمت هذه الحقائق نرجو إن شاء الله أن يكون الإشكال قد زال.

نسأل الله أن يوفقنا وإياك لما فيه الخير.

مواد ذات صلة

الاستشارات