السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي مشكلة مع أسرتي، فأنا في الثامنة والعشرين من العمر، ولفترة طويلة كنت أستقر في قرارات وشخصية لا تناسبني خوفا من كلام الناس، لكن بعد إصابتي بمرض الاكتئاب السنة الماضية لم ينفعني أحد، فقررت أن أغير كل ما لا يناسبني في حياتي، لكنني واجهت رفضا من طرف والداي بدعوى أن الناس ستتحدث عن هذا التغيير.
والداي يفكران في كلام الناس أكثر من راحتي، ويرفضون الكثير من قراراتي خوفا من المجتمع، لا أستطيع الاستمرار بالعيش بالنمط ذاته، وفي ذات الوقت لا أريد أن أكون سببا في معاناة والدي، فما الحل؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونحي حرصك على إرضاء والديك، ونؤكد أن الخير في الطاعة والبر للوالدين، ونسأل الله -تبارك وتعالى- لنا ولك التوفيق والسداد.
من المهم أن تكون للإنسان قناعات، ولكن هذه القناعات أيضا ينبغي أن تكون في حدود المعقول والمقبول، نحن لا نريد أن نوافق الناس في أمور تغضب الله، لكن إذا كانت أمور ترضي الله -تبارك وتعالى- فلا مانع من مسايرة الناس وموافقتهم، إن المخالفة والاختلاف شر، خاصة إذا كان في هذا الخلاف ومخالفة الناس والمجتمع ما يعكر على الوالدين أو يجلب غضبهم.
أكرر: لا طاعة لمخلوق في معصية الله -تبارك وتعالى-، لكننا بحاجة لشيء من المداراة، والمداراة مطلب شرعي، وهي أن نعامل الناس بما يقتضيه حالهم، شريطة ألا يدفعني ذلك إلى أي مخالفة شرعية، أما إذا أثرت هذه المجاملة الزائدة على النفس وأخرجت الإنسان عن الصواب والشرع، فعند ذلك لا ننصح بالمسايرة وركوب الموجة والخوض مع الخائضين، ولكن ليكن ذلك بمنتهى الدبلوماسية والحرص ومسايسة الوالدين والاجتهاد في تطييب خاطرهم.
أقول وأكرر: إذا كان في المسايرة والموافقة ما يغضب الله -تبارك وتعالى-، أما إذا كان في أمور عادية وأمور حياتية فنحن لا ننصح السباحة ضد التيار، ولا ننصح الفتى أو الفتاة بأن يخالف كل من حوله من الناس، لأن الناس أيضا يعادوا من يجهل حالهم، ويعادوا من يخالف أمرهم.
وعليه نتمنى أن توضحي أكثر، ولكن بالعموم نحن ندعوك أن تسيري في الطريق الذي يرضي الله تبارك وتعالى، وإذا كان ما يريده المجتمع أو ما يريده الناس ليس فيه مخالفة شرعية فلا مانع من مسايرتهم، ويتأكد هذا المطلب عندما يكون في ذلك رغبة من الوالدين في أن تكوني مع الناس ولا تخرجي وتشذي عن القاعدة.
ونشكر لك هذا الختام في رسالتك (لا أريد أن أكون سببا في معاناة والدي)، وفعل هذا دليل على أنك عاقلة وفاضلة، وهذا باب من أبواب الخير، فالذي يجلب لوالديك العنت ينبغي أن تتجنبيه، وتتفادي مثل هذه الأمور، وإذا كان الوالد -أو الوالدة- يريد منا أمرا لا يرضي الله -تبارك وتعالى- فعند ذلك قال الله: {فلا تطعهما}، لكن مع ذلك لم يقل (تشتم، أو تعارض، أو تسيء أو ترفع صوت)، وإنما قال: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}، يظل الوالد والدا، وتظل الوالدة والدة، ومن حقهم الاحترام، والقبول بما عندهم، والتنازل عن كثير من الأمور التي يهواها الإنسان إذا كان ذلك في رضا الوالدين ولم يكن -أكرر- فيه غضب لله -تبارك وتعالى-.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.