السؤال
السلام عليكم..
أنا فتاة عمري 15 سنة، أعاني من عدة وساوس منذ حوالي 3 أشهر، فأنا أعاني من وسواس المرض الذي أرهقني، ووسواس الفقد والخوف من المستقبل، وتنتابني أدعية سيئة وغير جيدة عن أهلي، وأحيانا تأتيني عبارات وكلمات غير جيدة عن الله (أستغفر الله) فهل سيحاسبني الله على تلك العبارات والكلمات؟
كما أريد حلا للتخلص من وسواس المرض والفقد وتلك العبارات والأدعية لكن بدون أدوية.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ wissal حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الفاضلة- وردا على استشارتك أقول:
فعلاج الوسواس سهل ويسير بشرط أن توجد فيك العزيمة والإصرار على العمل بما سيقال لك دون تلكؤ أو تواني، ولن تحتاجين بإذن الله لأي علاج دوائي.
الوساوس لا تستثني أحدا من الناس سوى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولقد أتت لبعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فلما اشتكوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- عالجها بالعلاج السلوكي ولم يعالجها بالعلاجات المادية.
أتى الصحابة لرسول الله صلى الله عليهم قائلين: (إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به . قال: وقد وجدتموه ؟ قالوا: نعم . قال: ذاك صريح الإيمان).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم لما ذكر هذه الأحاديث ما نصه: (أما معاني الأحاديث وفقهها: فقوله ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك.
من جملة التوجيهات النبوية لهذه الأمة في اتقاء الوساوس قوله عليه الصلاة والسلام: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا وكذا ؟ حتى يقول له من خلق ربك ؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته))، وفي رواية: (فمن وجد ذلك فليقل آمنت بالله) ومعنى ذلك الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه.
قال الإمام المازري رحمه الله: ظاهر الحديث أنه أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها، قال: والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها، والله أعلم.
وأما قوله فليستعذ بالله ولينته فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه، وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها، والله أعلم.
وقال الحافظ في الفتح في الكلام على حديث أبي هريرة المذكور في أول هذا الجواب ما نصه: قوله: من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها.
قال الخطابي: وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع، قال: وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان، قال: والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك.
لقد أتى عثمان بن أبي العاص النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل على يسارك ثلاثا . قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني).
ومن تحذيرات رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوسواس قوله: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول: من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته).
أوصيك بعدم الجلوس وحدك لأن ذلك من دواعي توارد الوسواس عليك وعليك أن تختلطي بأهلك في البيت، كلما أتتك الوساوس احتقريها واقطعيها ولا تتقبليها أو تسترسلي أو تتحاوري معها في عقلك؛ لأن ذلك علامة ضعف يفرح الشيطان بها وعليك أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وتقومي من المكان الذي أتتك فيه تلك الوساوس، وأن تشغلي نفسك بأي عمل يلهيك عنها.
أكثري من تلاوة القرآن الكريم وحافظي على أذكار اليوم والليلة ففي ذلك حرز من الشيطان الرجيم ووساوسه يقول سيدنا ابن عباس رضي الله عنه: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس).
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى أن يصرف عنك وساوس الشيطان الرجيم، وأكثري من دعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
اجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فإن الحياة السعيدة مرهونة بذلك يقول تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
ابتعدي من المعاصي بجميع أنواعها فإنها من أسباب نزول البلاء ففي الأثر: (ما نزل البلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة).
نسعد بتواصلك ونسأل الله لنا ولك التوفيق.