السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الله طلب من الإنسان المؤمن أن يكون صاحب همة وتأثير وقيمة، فهل سعي الإنسان في حياته لكي يصبح ذا قيمة بين الناس ويرضى عن نفسه يتعارض مع مفهوم الإخلاص لله؟
أرجو منكم توضيح المسألة، وجزاكم الله خيرا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الله طلب من الإنسان المؤمن أن يكون صاحب همة وتأثير وقيمة، فهل سعي الإنسان في حياته لكي يصبح ذا قيمة بين الناس ويرضى عن نفسه يتعارض مع مفهوم الإخلاص لله؟
أرجو منكم توضيح المسألة، وجزاكم الله خيرا.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ eslam حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الولد الحبيب- في استشارات إسلام ويب.
أصبت فيما ذكرت من أن الإسلام جاء بحث الإنسان على أن يكون صاحب همة، وأن يؤثر في الآخرين خيرا، وأن يسعى أن يكون ممن يحبه الناس ويقرونه، ولكن كيف يكون هذا السعي للوصول إلى هذه الغاية، هذا ما توقفت أنت عنده وهو أمر قد جلاه لنا النبي صلى الله عليه وسلم من حيث المبدأ ومن حيث الأسباب، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه قال: تلك عاجل بشرى المؤمن" إذا فالإنسان يعمل الخير ويسمع ثناء الناس ومدحهم له وتوقيرهم له.
والنبي صلى الله عليه وسلم سمى هذه الحالة بشرى للمؤمن، وقال: عاجل بشرى المؤمن. يعني بشارة في الدنيا، لماذا جعلها كذلك؟ قال العلماء في شرح هذا الحديث: لأنها دليل على رضا الله تعالى عنه، ومحبته له، ولأنه سبحانه وتعالى أحبه فإنه حببه إلى الخلق، وهذا جاء صريحا في الحديث المشهور: "إن الله إذا أحب عبدا نادى يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه، فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض"، فمن أحبه الله تعالى جعل له قبولا في الأرض ومكانة في قلوب الناس، ولكن هذا كله كما قال الإمام النووي رحمه الله: إذا حمده الناس من غير تعرض منه هو لحمدهم، أي من غير أن يسعى هو من أجل أن يحمدوه، ومن أجل أن يثنوا عليه، إنما همه هو ونيته هو إرضاء الله، والوصول إلى محبة الله تعالى، ثم يكون القبول لدى الناس ورفعة المكانة لدى الناس ناشئا عن محبة الله تعالى لهذا الإنسان، فإذا أحبه الله تعالى رفعه، والله عز وجل هو الخافض الرافع.
لا أحد يقدر على أن يرفع من وضعه الله، كما لا يستطيع أحد أن يضع ويخفض من رفعه الله، والقرآن بين لنا أيضا أن الرفعة طريقها طاعة الله تعالى والعمل الصالح، العمل الصالح معناه أن يكون صاحبه مريدا به وجه الله تعالى وإلا لم يكن صالحا، قال سبحانه وتعالى:( والعمل الصالح يرفعه)، فالرفعة في الدنيا والآخرة مرهونة بالعمل الصالح، والعمل الصالح لا بد فيه من إخلاص النية، وأن يكون مراد الإنسان الوصول إلى رضا الله سبحانه وتعالى، فإذا أحب الله تعالى العبد ورضي عنه وضع له القبول في الأرض، إذا الإنسان المؤمن لا ينبغي له أن يجعل حمد الناس وثناءهم واحترامهم هو المقصد بأعماله الأخروية، الأعمال الدينية، فهذا المقصد حرام لا يجوز.
أما أمور الدنيا فيجوز للإنسان أن يفعل ما يدعو إلى ذكر الناس له لأنها ليست عبادات، وإن كان الأفضل أن لا يفعل ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال عن أبي سفيان: إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، لما قال عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة: "ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" فإذا هذه هي القاعدة الشرعية أيها الحبيب أن أعمال الدين أعمال الآخرة يجب على الإنسان أن يخلص القصد فيها لله سبحانه وتعالى، ويكون مع ذلك على ثقة من أنه إذا أحبه الله فإن عباد الله الصالحين سيحبونه، لأن قلوبهم بيد الله تعالى يغرس فيها محبة الإنسان الصالح كما قال سبحانه وتعالى في سورة مريم: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) يعني سيجعل لهم محبة في قلوب الناس، أما إذا كان يفعل بغير هذا القصد فسينتكس الحال، وستصبح المحبة عداوة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياك لما فيه الخير وأن يجعلنا من عباده المقبولين.
والله الموفق.