السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أتمنى أن يتسع صدركم لمشكلتي.
أنا متزوجة منذ 4 سنوات، ولدي طفلة عمرها 3 سنوات، كنت قبل الزواج مثقلة بالمشاكل النفسية نتيجة الضغوط التي تعرضتها من والدتي ووالدي في تربيتهم لي، أعلم أن نيتهما كانت خيرا في ذلك، لكني لم أكن في حالة متزنة طوال الوقت، وقبل زواجي بقليل أدركت أنني لا بد أن أبحث عن ذاتي، وأن أحاول ترميم نفسي التي دائما ما كانت تشعرني بالآلام والخذلان والحزن الشديد.
فبدأت في العلاج النفسي عند دكتورة متخصصة، ومن بعدها ازداد عندي الشغف، فبدأت بقراءة كتب مهمة في ذلك المجال، أصحابها يتمتعون بالثقة في المحتوى، وبدأت بمتابعة متخصصين مختلفين، وحضرت بعض المحاضرات والكورسات التي تساعدني في ذلك.
بعد زواجي صدمت كثيرا بتلك التجربة التي لم أكن أفقه عنها شيئا، بكيت كثيرا لكثرة مشاكلنا واختلافنا الشديد في أمور حياتنا، لكنه طيب، لم يكن ذلك الرجل الشغوف بالمرأة أو بالعلاقات الاجتماعية، لم تكن عاطفته سهلة التأثير، عانيت كثيرا لأنني أفتقد مشاعر الأبوة، الاحتواء، التفهم.
مرت سنوات فيها الكثير من الضغوط علي، أتعب، يتملكني اليأس من تلك العلاقة، ولكنه يتغير ويتحسن، اختلف كثيرا عن ما سبق.
نحن بعد مرور الكثير من الضغوط أصبحنا أكثر هدوءا، أحترمه ويحترمني، يلبي احتياجاتي ويهتم بالبيت، لكنني أعاني دائما من الوحدة، لا يستطيع احتوائي إطلاقا، ليس عمدا ولكنه لا يعرف ولا يعي كيفية فعل ذلك، أحتاج لأن يعفني عن احتياجي الحميمي الملح دائما، لكنه لا يشعر بشيء مع كل الناس، ماذا أفعل معه؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا وسهلا بك -أختي الكريمة-، ويسرني مراسلتك لنا وثقتك بنا، أدعو الله أن تجدي الفائدة والراحة في إجابتنا.
بداية دعيني ألخص لك مشكلتك قبل البدء بالحلول المقترحة:
• لفت انتباهي بشخصيتك، الوعي النفسي الذي لديك، فالناس غالبا يفتقدون هذا النوع من الوعي، أي قدرتهم على الربط بين الأحداث الحياتية السلبية الحاصلة في حياتهم وبين أثرها النفسي عليهم وعلى مجريات حياتهم الحالية باختلاف أصعدتها، أما أنت فمن الواضح جدا أنك مختلفة، وأنك اجتهدت على نفسك كثيرا في هذا المجال، ولديك عزم واضح بشخصيتك عندما تقررين تغيير الأمور في ذاتك، وهذا تماما ما قمت به عندما أدركت مدى التأثير السلبي للضغوط التي تعرضت لها في طفولتك على اتزانك النفسي، فحاولت أن ترممي نفسك وتبحثي عن ذاتك التي افتقدتيها، وقمت في سبيل ذلك بخطوات عملية وجدية، من خلال البدء بجلسات نفسية مع مختصة والعمل سويا على الخطوات العملية، إضافة إلى قراءة الكتب النفسية وحضور المحاضرات والكورسات في مجال تطوير الذات، وذلك كان له برأيي دور رائع في زيادة وعيك النفسي وتقوية استبصارك النفسي بذاتك.
كل هذه الأمور هي أكثر من رائعة، وتدل على أن الإنسانة التي أخاطبها الآن هي إنسانة غير عادية، ولديها الإرادة الكاملة للتغيير من حياتها للأفضل.
• النقطة الثانية التي لفتت انتباهي في رسالتك هي إدراكك لطبيعة تجربة الزواج، حيث أنها تجربة مفصلية تماما في حياة الإنسان ومختلفة تماما عن كل التجارب الحياتية السابقة، فطبيعة العلاقة الزوجية تختلف كليا عن أية علاقة إنسانية أخرى بين شخصين، وأنت قد بدأت بخوض هذه التجربة دون التزود المعرفي عنها، وهذا بلا شك يجعلك كمن يفتتح شركة ضخمة طويلة المدى مع فلان، دون التزود المعرفي نهائيا بطبيعة عمل هذه الشركة، وطبيعة العلاقة الصحيحة للشركاء ببعض، ونتيجة هذا الأمر بلا شك هو ما حصل معك تماما (كثرة المشاكل في بداية زواجكما/ الخلافات الشديدة مع زوجك في مختلف الأمور الحياتية/ الحزن والبكاء الشديد نتيجة عدم قدرتك على مواجهة هذه الصعوبات الجديدة).
• ولكن توجد هنا نقطة مهمة جدا ينبغي لفت انتباهك إليها وهي، صحيح أنك لم تتزودي جيدا بأية أدوات قوة قبل تجربة الزواج، إلا أن الله سبحانه قد أمدك بأجمل الأدوات والموارد التي تعينك على أن تقفي على قدميك، وهي:
- معدن زوجك الجيد: فمن الواضح لي من خلال كلماتك عن زوجك أنه إنسان يغلب عليه الصفات الايجابية ومنها الطيبة، وأيضا هو شخص ملتزم أخلاقيا أي ليس له أية علاقات مشبوهة مع النساء، وأيضا لديه من المرونة العالية التي سمحت له أن يتغير كثيرا كما ذكرت، ويحمل داخله نحوك الكثير من الحب، فحب الرجل لزوجته هو الدافع الأكبر لكي يغير من نفسه وطباعه وشخصيته.
- بصيرتك النفسية بذاتك: كما أوضحت سابقا، فأنت تعين تماما الآثار النفسية المتراكمة داخلك نتيجة الخبرات الحياتية السلبية في طفولتك، ولديك القدرة على ربط ذلك بتصرفاتك واحتياجاتك النفسية الحالية، وهذا الاستبصار برأيي هو أكبر سلاح سيساعدك على التغيير من نفسك ومن نوعية علاقتك الزوجية للأفضل.
وهنا نصل إلى مشكلتك الحالية كما ذكرتها لنا:
(معاناتك من الوحدة النفسية إضافة إلى رغبتك بالإشباع الجنسي والعاطفي والاحتواء من قبل زوجك).
• وفقا لما ذكرته لنا في رسالتك، إن وضع علاقتكما الزوجية في الآونة الأخيرة قد أصبحت تتسم ب (الهدوء /الاحترام المتبادل/تلبية الاحتياجات/واهتمامه بالبيت) وهذه الأمور برأيي بمثابة أساس متين لعلاقة زوجية مستقرة، ما بقي لنا أن نسعى له هو تطوير تلك العلاقة لتصبح أجمل وأكثر إشباعا للطرفين.
دعينا بعد هذا التلخيص، أن ننتقل إلى الحلول المقترحة:
• فيما يخص الوحدة النفسية التي تشعرين بها: أنصحك بعدة أمور منها:
- حاولي أن تفكري بأنشطة مشتركة تقومين بها مع زوجك سويا، وطبعا تكون محببة لكما أنتما الاثنان، فالوقت المشترك بين الزوجين يغني نوعية العلاقة، ويزيد من إيجابية المشاعر المتبادلة، ويبني رصيدا من الذكريات الجميلة لكلا الزوجين، وهذا الرصيد الإيجابي من اللحظات والذكريات الجميلة، تكون بمثابة الأسس الداعمة للعلاقة الزوجية مستقبلا.
- جميعنا كنساء نحتاج لكي لا نشعر بالوحدة النفسية أن نشارك ونعبر عما في داخلنا من مشاعر مختلفة وأفكار متناثرة في ذهننا إلى أقرب الناس إلينا، وعندما يكون الزوج هو الشخص المقرب لنا، ففي هذه الحالة نخطئ حينما نتوقع منه أن يعرف ما في داخلنا دون البوح به، أو أن نتوقع منه أن يعرف متى نحن بحاجة لكي نتكلم معه، فالرجل عادة يفتقد إلى مهارات الذكاء العاطفي، لذا أقترح عليك أن تساعديه في فهمك، وأن تكوني صريحة ومباشرة معه، كأن تنتظري التوقيت المناسب له (بعيدا عن التعب الجسدي والمزاجي) وتخبريه أنك بحاجة إلى الجلوس معه لتتكلمي معه بعفوية عما يجول في داخلك، وأنك ستشعرين بالاحتواء من طرفه إن أحسن الاستماع إليك كصديق، وهنا أتوقع أن يكون زوجك متجاوبا ومتفاعلا معك، وخاصة حينما تطلبين ذلك بأسلوب ودي ولطيف وتكونين واضحة وصريحة في طلبك، فالرجل يفرح عندما يجد نفسه السند الداعم لزوجته، ولكن قد لا يعي "كيف يحقق ذلك"، وهنا حان دورك لترشديه إلى الطريق.
• أما فيما يخص موضوع الإشباع العاطفي والجنسي الذي تفتقدينه مع زوجك، فهنا أنصحك بعدة أمور منها:
- لقد أخبرتنا أن زوجك عندما يقصر معك في احتياجاتك النفسية، فذلك عن غير قصد منه ودون وعي ومعرفة منه بطريقة فعل ذلك، (وأنا أتفق معك في هذا، حيث إن أغلب الرجال تجدين لديهم ضعفا في ثقافة فهم المرأة واحتياجاتها)، وهذه النقطة جدا مهمة برأيي، فهي بمثابة الانطلاقة في الحل، أي إنه يحتاج لمساعدة منك لكي يعرف الأمور التي هي أولوية لديك، وأن تخبريه بجميع احتياجاتك النفسية والعاطفية، وأن تخبريه أيضا بالطريقة التي ترغبين أن يشبعك بها، كل هذه التفاصيل من الصعب جدا أن يخمنها دون بوحك بها بشكل صريح، وكوني على ثقة أنه لا يوجد في العلاقة الزوجية أجمل من الشفافية والصراحة المطلقة، فهذه الصفتان تضمنان للعلاقة الزوجية النمو بشكل إيجابي بعيدا عن أية سوء تفاهم أنتما بغنى عنه.
- من الضروري أن تخبريه بالكلمات والجمل التي تحبين أن يمدحك بها، فيكفي أن تلفتي انتباهه إلى مثل هذه التفاصيل لكي يدرك أهمية الجانب العاطفي لديك، ومن المهم أن تخبريه أيضا متى ترغبين بسماع المديح منه، وما هي نوعية الكلمات التي تسعدين بها، وأن ذلك سيفرحك كثيرا، ومن ثم اتركي له الوقت والأريحية لكي يطبق ما طلبته منه، ولا تنسي أن الرجل عندما تكون المرأة واضحة معه في احتياجاتها فإنه يميل لكي يلبي كافة احتياجاتها وأن يكون المصدر المشبع لها، فذلك بالنسبة له يشعره بمزيد من رجوليته وبأنه الزوج الناجح.
- إن كان زوجك يحب القراءة فحاولي المبادرة بأن يكون لكما فترة مشتركة تقومان فيها بقراءة كتاب مشترك، وهنا تستطيعين الاقتراح عليه أن يكون حول العلاقة الزوجية، فمن الجميل أن تتناقشا سويا حول أية فكرة تستوقفكما، وتشعرين أنها ستحسن من علاقتكما الزوجية.
- إن كانت الفكرة السابقة غير واردة للتطبيق، فمن الجميل أيضا أن تكوني له ليس فقط الزوجة بل الصديقة التي تشاركه أفكارها الحياتية، فالرجل يحب أن يرى زوجته بأدوار مختلفة، ويحب أن يراها تحاوره وتشبع عقله، لذا تستطيعين البدء مفردة بقراءة الكتب حول العلاقة الزوجية، وعندما تجدين التوقيت المناسب تناقشينه بكل عفوية حول الأفكار التي ترغبينها، وكأن الفكرة قد استوقفتك من جمالها فأحببت مشاركتها معه من باب متعتك بالتحدث إليه، هذا الأمر بلا شك سيزيد من ثقافتكما في العلاقة الزوجية، وبالتالي سيساعدكما في التغيير نحو الأفضل.
- هنا توجد نقطة مهمة عليك الانتباه إليها قبل تطبيقك لكل الاقتراحات السابقة، وهي أن زوجك بطبيعته لديه صفة المرونة والتغيير من النفس، ولكن من الداعم لذلك أن تكوني ودودة ولطيفة معه، وأن تمدحي زوجك بأية تصرف جميل وايجابي يقوم به تجاهك، وأية صفة جميلة تحبينها فيه وبشخصيته، فأول وأهم خطوة إن كنت تريدين فعلا تغيير بعض الصفات لديه، أن تعززي النقاط الجميلة لديه، وأية تغيير يبدر منه حتى لو كان صغيرا، ولا تنسي أن الرجل يتأثر جدا بمديح زوجته وتقديرها له، فهذا يكون بمثابة الدافع الأكبر لكي يغير من نفسه للأفضل، وليحقق توقعاتها الجميلة عنه.
- إن العلاقة الزوجية بعد مرور فترة من الزمن غالبا تأخذ قالبا معينا لتتقولب فيه، لذا من المهم برأيي أن نحاول بين الحين والآخر أن نكسر هذا القالب ونخرج منه بأية نشاط أو مشوار غير تقليدي يقوم به الزوجان سويا، وغالبا ما تكون المرأة هي الأنجح بالتفكير بهذه الأمور والمبادرة بالقيام بهذه الأنشطة، فأنصحك أن تجربي هذا الأمر وتلاحظي الفرق.
* أقترح عليك أيضا أن تحاولي القيام بالأشياء التي يحبها زوجك، لتدخلي السعادة إلى قلبه بشكل مستمر، فاجلسي مع نفسك واكتبي قائمة بالصفات التي يحبها بك، والتصرفات الجميلة التي إن قمت بها تدخلين السعادة إلى قلبه، وحاولي أن تبادري بها بشكل دوري، فالإشباع الزوجي الصحيح عليه أن يكون متبادلا بين الطرفين، وهذا بدوره سيكون دافعا له أن يبادلك ذات الأمر.
- أما فيما يخص العلاقة الحميمة فبرأيي أنكما تفتقدان إلى المصارحة مع بعضكما بهذا الموضوع، فمن خلال خبرتي المهنية إن من أهم مسببات المشاكل الزوجية في العلاقة الحميمة هي السكوت والخجل، وعدم الشفافية والمصارحة والتحدث عن الموضوع بين الزوجين، وهذا بدوره سيجعل كلا من الزوجين يخبئ ما يزعجه في العلاقة داخله ويكتمه، ولكن هذا يؤدي مع الوقت إلى تراكمات خطيرة، قد تنفجر يوما ما لتهدد أمن العلاقة الزوجية، ولا تنسي هنا أن أساس هدف الزواج في الإسلام هو تحقيق عفة الزوجين وإشباعهما، لذا برأيي من المهم جدا أن تقرئي عن الموضوع من الناحية الشرعية حيث إن هناك العديد من الكتب الدينية التي تتكلم عن هذا الموضوع من جميع الجوانب، لتدركي أن العلاقة الحميمة هي حق شرعي للزوجين والتحدث عن تفاصيل الموضوع بين الزوجين هو حق شرعي لهما، بل إنه يزيد ويقوي من علاقتهما ببعض، لذا أنصحك إن كان زوجك خجولا في هذه الناحية أن تبادري بالتحدث معه في هذا الموضوع، ولكن ركزي فقط على الأمور الإيجابية التي تسعدكما في العلاقة الحميمة، واتركي جانبا أية ملاحظات سلبية، فطريقك للتغيير هو المصارحة والشفافية والتعزيز الإيجابي، ومن ثم مع الوقت ستجدين أن حاجز الصمت والخجل قد بدأ يتلاشى بينكما فيما يخص هذا الموضوع، وهذا سيساعدك على التصريح له عن رغبتك واحتياجاتك الخاصة، وذلك سيسعده بلا شك، فتذكري أن الرجل يفرح كثيرا عندما يجد نفسه المصدر المشبع لزوجته، ويجد منها المديح والتقدير، ومع الوقت أيضا والمصارحة الدائمة ستجدين زوجك قد ازداد إدراكه لاحتياجاتك ورغباتك من حيث التوقيت والطريقة، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى تحقيق الإشباع الجنسي لديك الذي تفتقدينه.
أخيرا: أتمنى أن تكون إجابتي قد أفادتك، وأزالت الحيرة التي في قلبك، وأتمنى أيضا أن لا تترددي في مراسلتنا مجددا في حال وجود أية استفسارات أخرى وللاطمئنان عنك، أدعو الله أن يرزقك راحة البال والقلب وأن يوفقك في حياتك الزوجية وأن يديم عليكما الحب والمودة والرحمة.